Vous êtes ici : Accueil / Littérature / Contemporaine / "الملائكة لا تطير" - كيف تواجه النساء التطرف الديني عندما يحاصرهن؟

"الملائكة لا تطير" - كيف تواجه النساء التطرف الديني عندما يحاصرهن؟

Par Fatima Zohra Rghioui : Ecrivaine d'expression arabe - Doctorante à Lyon 3 - Unité de recherche : IETT (UR Lyon 3) – Institut d’études transtextuelles et transculturelles
Publié par Fatiha Jelloul le 21/05/2023

Activer le mode zen PDF

في روايتها الثانية "الملائكة لا تطير"، تتناول فاطمة بن محمود، من خلال أسرة سيف، الخطر المحدق بفئات النساء من قبل توغل التطرف الديني. لا يتجلى هذا الخطر فقط في سلب النساء من حرياتهن (التعليم، العمل...) ولكن أيضا في جلب عادات جديدة ومتطرفة تتمثل في ختان البنات.

مقدمة - الحاجة إلى الانتقال إلى السرد حسب فاطمة بن محمود

فاطمة بن محمود من جيل النساء اللواتي استفدن مما أتاحته سياسات بورقيبة وخاصة سلسلة قوانين الأحوال الشخصية التي تم إصدارها في صيف 1951 (حجّي، 2007). مقارنة بباقي الدول العربية، اعتبرت أغلب التونسيات نفسهن محظوظات وهن يتقدمن الدول العربية فيما توفره لهن الدولة التونسية من حقوق تعتمد على قدر كبير من المساواة إذ قنّنت سن الزواج في 17 سنة، ومنعت التعدد وأقرّت مساواة كاملة بين الزوجين في كل ما يتعلق بأسباب الطلاق وإجراءاته. ورغم ما اعترى نظام زين العابدين بن علي من فساد، إلا أن حقوق النساء هذه، لم تمس في عهده. إضافة إلى هذا، استفادت فاطمة بن محمود من تكوينها الفلسفي وعملها كأستاذة فلسفة، في بناء وعيها بأهمية التحرر وأهمية الفكر النقدي لبنيات المجتمع التقليدية. هذه النزعة النقدية ستتأجج خلال الثورة التونسية (2011) حيث وكما أعلنت عن ذلك في العديد من الحوارات التي أجريت معها (بن محمود، 2002)، انضمت بن محمود إلى الفئات التي كانت تسعى إلى التغيير السياسي والمجتمعي وتناضل من أجله. وقد خلق هذا الحدث التاريخي تحولا في كتابة بن محمود نفسها إذ تحولت من كتابة الشعر إلى كتابة السرد. فلقد أصدرت بن محمود قبل الثورة التونسية عدة دواوين من بينها: رغبة لا تعنيني (1998) وما لم يقله القصيد (2006) والوردة التي لا أسميها (2008). كما أصدرت بعد الثورة ديوانين: لا توقظ الليل (2013) وما لا تقدر عليه الريح (2019).  و لقد اعتبرت السرد هو النوع الوحيد القادر على التعبير عن الأحداث المصيرية التي تحيط بها (أنظر إلى الحوار المشار إليه سابقا مع بن محمود) مصدرة عملها الروائي الأول امرأة في زمن الثورة (بن محمود، 2011) وهي كتابة سير ذاتية تقتفي أحداث الثورة وتعتبرها الكاتبة أول شهادة عن الثورة التونسية ( بن محمود، 2012) التي شكلت الأمل بتحقيق تغيير ديمقراطي يتبنى حقوق الإنسان بما يعني ذلك من مساواة وعدالة وتحرر. غير أن التحول السياسي الذي طرأ لاحقا، ورغم الانفتاح على الحقوق الإنسانية للنساء المتمثل في توقيع الرئيس الباجي قائد السبسي على قانون المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة (2017) -وربما بسبب ذلك-، ترافق مع صعود حركات دينية وخصوصا حزب النهضة الذي عارض القوانين المخالفة للشريعة (والذي ترأس الحكومة بفضل ما سمي بتحالف الترويكا). لقد أدت هذه التحولات السياسية إلى خلق وعي لدى مجموعة من الكتاب والمفكرين بالخطر الذي يتهدد الحقوق التي يسنها القانون التونسي، وما جعل فاطمة بن محمود تستشعر خطر التوجه الديني المتطرف الذي كان يترقب البلاد الأمر الذي دفعها إلى كتابة روايتها -موضوع ورقتنا هذه- الملائكة لا تطير (بن محمود، 2020).

1- تعدد الأصوات السردية أو الدعوة إلى الحوار

في هذه الرواية، تنطلق فاطمة بن محمود من أحداث حقيقية (انتشار خليات إسلامية متطرفة وسرية في تونس (جماعة سليمان تحديدا)، الثورة التونسية، هروب بن علي، محاضرة الداعية المصري وجدي غنيم في تونس...) لكي تبني أحداثا متخيلة عمادها أسرة سيف التي، وبسبب التوجه الديني المتطرف لرب الأسرة، تضطر لعيش اختلالات كبيرة تؤدي إلى عواقب خطيرة ولا رجعة عنها. إن التطرف الديني الذي ظهر في تونس يلقي بجبروته، وكما توضح فاطمة بن محمود، على النساء بالخصوص، فيقيد حرياتهن ويستعبدهن. إن هذا النزاع يكتسي أهميته في كونه يلقي بظلاله على التحولات التي يعرفها المجتمع التونسي. إنه نزاع بين التراجع نحو مجتمع ظلامي وبين التمسك بالحرية؛ حرية اختيار المصير الفردي وحرية الانخراط في المجتمع. فكيف تبرز فاطمة بن محمود هذه التحولات من خلال تمثلات النوع (الاجتماعي) لكل من المرأة والرجل في روايتها؟

تعتمد فاطمة بن محمود في روايتها على بناء زمني يمتد لعقدين، تتيح لها هذه الحقبة المتسعة أن توضح لنا التحول الذي يطرأ على شخصيات الرواية وفقا للأحداث السياسية الفعلية التي عرفتها تونس خلال تلك الفترة. كما تعتمد على بناء سردي يتناوب عليه كل من سيف وليلى ولبنى في تقاطع مع صوت "الساردة" التي لا يمكننا أن نؤكد إن كانت هي نفسها كاتبة الرواية. بالإضافة إلى هذه الأصوات السردية التي تستعمل ضمير المتكلم، يتدخل صوت سردي متعالٍ لكي يوضح بعض الأحداث التاريخية أو لكي يصف الأحداث ويعلق عليها: (جماعة سليمان: خلية سلفية إرهابية عرفت في تونس بجماعة سليمان كانت تعد لضرب منشآت حيوية ومصالح أجنبية واغتيال شخصيات تونسية للانقلاب على حكم بن علي. تم الكشف عنها في سنة 2006) و(كتبت الساردة في كنش لا يفارقها أن سيفا ابتسم وهو يتذكر تلك الأيام الأخيرة في سجنه ولم تفسر سر ابتسامته إن كانت حنينا أم سخرية أم ندما؟ (بن محمود، 2020: 32). إن تعدد الأصوات السردية هذا يدل على نزعة لدى الروائية لاستدعاء النقاش بين آراء مختلفة ومتعددة، ويبدو لنا أنها تسعى عبره إلى الدعوة إلى الانفتاح على الحوار الذي يمكن أن يمحو قلق الصمت والانزواء وراء المعتقدات المتطرفة.

يبدو من الوهلة الأولى أن سيف هو الشخصية الرئيسية في الرواية، بالإضافة إلى كونه الأكثر ظهورا في الرواية، نحن أمام شخص يمسك بحبال الشخصيات المحيطة به ويقيد مصيرها، خاصة زوجته ليلى وابنته نور. إن بناء شخصية سيف يؤكد لنا أنه يرى الرجال "قوامون على النساء" وحتى عندما يسمح لنفسه للانقياد إلى إرادة امرأة/زوجته في علاقة جنسية حيث تكون هي المبادرة، فهو يفعل ذلك على مضض ليس فقط لأنه يرى أنه: (لا يجب على الزوجة أن تتمادى كثيرا في مداعباتها، عليها أن تكتفي بدور المطلوبة دوما وإلا صعب إرضاؤها وفسدت أخلاقها (نفسه، ص.51)، ولكن بالخصوص لأن قلبه مملوء بشغفه بلبنى، حبيبته التي تخلت عنه. إن البناء النفسي والاجتماعي الذي تقدمه فاطمة بن محمود لشخصية سيف، هو بناء يجعلنا نتأرجح بين حالتي الإدانة والتعاطف. فمن جهة، يبدو أن سيف غير قادر على الانزياح عن الرؤية الأحادية للعالم، إذ يرى المجتمع مكونا من مؤمنين وكفار فقط ما يجعله بالغ التزمت والتطرف وراغبا في تطبيق ما يصوغ له على أنه الصواب (نحن نطبق واحدة من سُنن الإسلام) والمتمثل في اقتراف تشويه الأعضاء التناسلية لابنته (ص. 120 و 123): تستعمل منظمة الصحة العالمية عبارة تشويه الأعضاء التناسلية بدل الختان لتأكيد الضرر الذي يلحق بالنساء اللواتي يتعرضن له. هذه الجوانب من شخصية سيف تجعلنا ندين تصرفاته بشدة، ومن الواضح، خصوصا أمام مشهد تشويه الأعضاء التناسلية لنور، أننا نود أن نتجاوز عجز كل من الأم والساردة لكي نتدخل ونواجه سيف ونمنعه من إتمام عملية التشويه. لكن ومن جهة ثانية، تخلق فاطمة بن محمود لسيف ما يمكن أن نقرأه كمحاولة لخلق أعذار لما صار إليه من تطرف؛ إذ نعلم منذ الصفحات الأولى للرواية أن سيف قد تم التخلي عنه من قبل حبيبته لبنى (تركتني لترحل مع شاب آخر هاجر خلسة إلى إيطاليا وعاد بسيارة فخمة ونظارات أنيقة: ص. 35)، كما أن إصراره على تشويه الأعضاء التناسلية لابنته إنما يزداد حدة بعد هروب ابنة أخيه هيفاء مع حبيبها. من المثير للانتباه أنه على مدار أحداث الرواية، تبدو ليلى غير مدركة بوجود لبنى وبأهميتها في حياة سيف. إن لبنى تظل مجرد حلم/ حب سابق لسيف، لا تتدخل في الأحداث إلا على المستوى الذي ذكرناه هنا. هل هذا يعني أن فاطمة بن محمود قد اختارت ألا تخلق مواجهة بين امرأتين تتنازعان حب/ اهتمام رجل واحد؟

وأكثر من ذلك، تعلمنا الكاتبة أن سيف قد تعرض إلى الاغتصاب من طرف جارهم (ص. 281 و282) حتى أن بن محمود تجعل من هذا الحدث سببا رئيسيا في تطرف وجبروت سيف:

كان يبكي كثيرا كلما اختلى به الغريب يعرف أنه يفعل به أشياء لا تُحكى، ويحمد الله على أنه لم يحدث بها أحدا؛ لو فعل سيلازمه عار لن يزول. وقد انتقم الله له فأخذ الغريب، الذي لم يكن سوى جارهم "عم الطيب"، في سفر غير شرعي انتهى به وليمة للأسماك. وتعلم أن أفضل طريقة لحفظ سر الخِربة ألا يضعف، فكان يتظاهر بالقوة، بالتنمر على أترابه وأصدقائه وجيرانه. أفضل طريقة لتجنب الضعف هي أن يكون قويا، واستطاع أن يكون قويا، خاصة مع زوجته وطفلته.

 ولكن هل هذا يعني، أن التطرف الديني يحتاج إلى أسباب أو ظروف للتخفيف؟

وبعيدا عن شخصية سيف، يبدو لنا أن فاطمة بن محمود تركز في هذه الرواية على الشخصيات النسائية، إذ نراها منشغلة بما يحدث لهن عندما يطغى التطرف الديني (ممثلا بسيف) وكيف تتراجع حقوقهن. فتقسم الروائية عملية سرد الأحداث بضمير المتكلم بين سيف وليلى ولبنى والساردة التي بدت شخصية خارجة عن الأحداث باستثناء معرفتها الشخصية بليلى وهو ما يظهر منذ الفصل الأول وبكونها ربما صادفت ذات مرة سيف (الفصل 30) إلا أن تدخلها في النص الروائي يبرز من خلال تدخلها في مسار تلقينا بوصفنا قارئات وقراء للتحولات والأحداث التي تقع في الرواية من خلال الفصل الأول إذ تخبرنا أنها ستكتب هذه الرواية إلى آخر فصل حيث تتشارك معنا رغبتها في إعادة كتابة الرواية، وكذا من خلال الهوامش التي تضعها للتعليق على الأحداث. لكن هذه الساردة تتصف بالعجز، فهي غير قادرة على التدخل وتكتفي بالبكاء والحزن والغضب أحيانا. فهل هذا يعني أن الكتابة كفعل سياسي واجتماعي تتسم بالعجز وأنها لا تمكن من تغيير المجتمع، بل بالكاد ترصد تحولاته؟

2- تنوع الشخصيات النسائية يبرز اختلاف سبل مواجهتهن للتطرف الديني

في المقابل، تبدو ليلى، زوجة سيف، قادرة في الصفحات الأولى على الأقل على التحكم في مسار الأحداث (ص.13). إنها تخلق لحظة الرغبة الجنسية ولحظة التلقيح التي ستنشأ بفضلها ابنتهما نور. إنها تتحايل على وجوم وبرود سيف مُبادِرة حتى لتبدو لنا أنها المتحكمة في زمام الأمور، غير أن هذا الأمر لا يكاد يكون سوى لحظة عابرة ومنفلتة من سطوة سيف. إذ نراها لاحقا تخضع لكل قراراته وتراقب أو تنفذ بسلبية مستميتة ما يأمر به. بل إنها تعمل في صنع "الحلالم" (نوع من العجين) وتسلمها له ليبيعها دون أن تسأله عن ثمنها مسلمة له مقالد التحكم فيها اقتصاديا أيضا، إذ ترى أن زوجها يحسن التصرف في هذا الدخل الإضافي فلا تسأله عن شيء (ص. 168). إن صمتها يتكرر أمام تشويه الأعضاء التناسلية لنور فتخضع لإرادة زوجها بسبب العنف الجسدي الذي تتعرض له من قبله (ص. 114)، بل إنها تنفذ ما يفرضه رب الأسرة عندما تُبلّغ نور بقرب زواجها وتصرخ الفتاة معترضة، فتجيبها:

- اخفضي صراخك، إن صوتك عورة وقد يتناهى إلى الجيران

ثم أضفتُ [الأم] بحزم كأن شخصا آخر يتكلم على لساني:

- لا أحب أن يسمع أبوك كل هذا الهراء، غدا سيأتي شهاب بعد صلاة العصر ليتم التعارف والقَبول، ثم سيتفق مع أبيك على موعد الزواج

 إن الأم من حيث كونها تعيد إنتاج السلطة الذكورية للأب، هي خاضعة لتمثٌلات المجتمع وتوجيهاته وهو ما يتضح في بداية الرواية كيف أن زواجها من سيف أنقذها من تسلط والدتها التي كانت ترى أنها (ستبقى رهينة في البيت ولن يتزوجها أحد، ص. 13) ورغم ما نتبيّنه في لحظات معينة من الرواية من وجود روح تسعى إلى التحرر (قبولها بإقامة حفلة عيد ميلاد لنور، رقصها في السر وحبها للموسيقى، حبها للملابس والموضة)، إلا أنها لا تنجح في الانتفاض في وجه سيف إلا عندما تحدث الفاجعة التي تختم الرواية، فتقف أخيرا أمام سيف لتخبره (وليس لتطلب منه) بقرارها الطلاق منه، وبرغبتها في العودة إلى الدراسة والعمل. إن الشخصية المركبة التي اختارتها فاطمة بن محمود لليلى، تجعلنا نتساءل: هل يجب أن نفقد كل شيء، لنجد أخيرا مفاتيح التحرر الكامنة فينا؟

من جانب آخر، ورغم أن شخصية ثريا، أخت ليلى، لا تظهر كثيرا في أحداث الرواية، إلا أن حضورها يتسم في كل مرة بخلق صدام وممانعة للأفكار المتطرفة لسيف. فبالإضافة لكونها تمثل الدعامة المساندة لليلى كلما احتاجتها (عندما كان سيف في السجن وعندما تقرر ليلى الطلاق) فإنها تمثل جانب الحداثة والتحرر إذ ترفض وضع الحجاب وتدخن. ومن المهم هنا الانتباه إلى الربط السائد بين تحرر النساء والتدخين الذي تستعمله الروائية لفهم أسس هذه العلاقة (أميرسيي Aumercier، 2007: 452-469) وتستكمل دراستها الجامعية كما أنها تصر على الاحتفال بعيد ميلاد نور جالبة لها هدية/ دمية وحتى على تحدي سيف بما أنها شاركت في الوقفة الاحتجاجية بباردو أمام المجلس التأسيسي للتنديد بحادثة إنزال العلم التونسي بكلية منوبة ورفع ما أسمته "الخرقة السوداء"  (بن محمود، ص.64). إن ثريا تمثل هنا صوت العقل والتحرر والوطنية فتواجه سيف (لا يعقل ما يحدث، أنتم تقسمون بلادنا إلى مسلمين وكفرة، هذه فتنة كبيرة، (ص. 65). تنجح ثريا في الصمود بمواقفها المعادية للإسلاميين دون أن توضح لنا الروائية كيف نجحت في ذلك رغم دور الأم السلبي الذي أثر على ليلى ودفعها إلى الزواج بسيف.

3- الختان هو محاولة لبتر العقل أيضا

رغم أنها تبدو لنا البطلة الحقيقية للرواية، إلا أن نور، ابنة سيف وليلى، لا تستلم زمام السرد إلا في الفصل الواحد والثلاثين وقد وصلت عمر التاسعة عشر، لتروي كيف قطع والدها جناحيها وسلبها القدرة على التحليق (ص. 133)، وهنا تتضح لنا الإشارة إلى عنوان الرواية؛ إن نور هي الملاك الذي يحرم من القدرة على الطيران. إنها البراءة التي تُغتصب باسم الدين وفي ظل عجز المجتمع على حمايتها. إنها في نفس الوقت الضحية والمتمكنة بحكم ما تعرضت له من الوعي بخطورة ما يجلبه التطرف حين يتحكم في جسد الأشخاص، فلا يكتفي بفرض الجلاليب التي "تستر" ولكنه يمتد ليشوه الجسد (في السادسة من عمري، أصبحت طفلة بلا قطعة من جسدي، ص. 136). تعي نور أن البتر ليس جسديا فقط، وأنه يروم الحد من حقها في اختيار شكل تواجدها في هذا العالم إذ بتر عقلها أيضا (ص. 143). فتلجأ إلى القراءة والمطالعة لتساعد (جسدها الذي يتفتح وأسئلتها التي لا تتوقف) على تحقيق وعي حاد باللاعدالة التي تعرضت لها. وتنجح نور في تبيُّن من كان سببا في مأساتها، إن من ظلمها هو والدها لا غير، هذا الأب الذي سلمها إلى جزار بتر جزءا من جسدها. إن المطالعة التي ساعدت نور على إدراك وضعها ساعدتها على تجاوز حدودها (فتتوقف عن الصلاة مثلا) كما أنها فتحت لها أبواب حلول قطعية ومفجعة. ففي تحول -ربما يبدو متسرعا على مستوى البناء الروائي- تقرر نور أن تكشف عن جسدها وأن تخضعه للتجربة، فتكون علاقتها مع فارس زميلها في المدرسة، اختبارا لحدود جسدها. تعاين ما أحدثه تشويه أعضائها التناسلية في قدرتها على التجاوب مع العلاقة الجنسية الكاملة مع فارس الذي لا يتجاوز دوره دور فأر التجارب الذي يخضع تماما لإرادتها ولا ينتبه ل"اختلافها" ولا يبدو أنه يتطلع لأكثر مما تسمح به نور. غير أن العلاقة مع فارس تسمح لنور بأن تحدد عمق جراحها، بل وحتى تحدي الأفق الذي رسم لها: (جسدها ناقص ومتعتها ناقصة وفرحتها ناقصة ثم... لم تعد شريفة! تبا لك أيها المقص! ص. 135). إلا أن هذا التحدي لا يعدو أن يكون ممهدا للنهاية المأساوية التي اختارتها فاطمة بن محمود لروايتها.

خاتمة

إن أهمية ما قدمته فاطمة بن محمود في "رواية الملائكة لا تطير" يتجلى في خطورة التوغل الديني المتطرف على مصير النساء وخاصة الأجيال الفتية حيث يؤدي هذا المد إلى بتر طموحها وسعيها إلى التحرر وممارسة حقوقها كيفما اختارت وشاءت. وقد ارتأت بن محمود أن تضع تقابلا بين التمثلات بين أدوار الرجال وأدوار النساء، حيث وباستثناء "ولد حادة" السكير الطيب الذي ظل وفيا لصداقته بسيف وساعد زوجته عندما كان في السجن، فالرجل في الملائكة لا تطير، يبدو أنه يتمركز بالخصوص في دور المتسلط الذي يفرض قوته وجبروته على أسرته. في المقابل، حاولت الروائية أن تعرض نماذج مختلفة للتمثلات عن النساء حيث يثير انتباهنا هنا استعمال الكاتبة للقب ولد حادة الذي يولي أهمية للأم (حادة) وليس للاسم الشخصي لهذه الشخصية ولا للقب يحيل على الأب، كما أننا نجد الثائرة والمتحررة ثريا، وليلى الخاضعة التي تعيد إنتاج السلطة الذكورية وإن نجحت بالتخلص من هذه السلطة في النهاية، ثم نور التي لا يسعفها وعيها بالشرط الاجتماعي الذي يقيدها ويخضعها من التخلص من مصير مأساوي. ورغم أننا قد نؤاخذ فاطمة بن محمود على محاولتها إيجاد تعليل لنشوء التطرف الديني وربطه بالنسبة لسيف بحالة الاغتصاب، بما أن ليس كل من تعرض للاغتصاب يتحول إلى متطرف ديني، إلا أننا نجد أنها وفقت في دق ناقوس الخطر الذي يمثله مد التطرف الديني على النساء وهو ما يتفق مع التحذير الشهير لسيمون دوبوفوار بخصوص التراجع عن الحقوق المكتسبة للنساء أمام أول أزمة اقتصادية أو سياسية أو دينية.

 مراجع

فاطمة بن محمود، الملائكة لا تطير، زينب للنشر والتوزيع، تونس، 2020.

"بورقيبة والإسلام" للطفي حجّي الصادر عن دار الجنوب، تونس،2007.

فاطمة بن محمود، حوار مع كش بريس بتاريخ 16 مارس 2022 والذي يمكن الاطلاع عليه عبر منصة اليوتيوب: https://www.youtube.com/watch?v=H0vfU----dQ

فاطمة بن محمود، امرأة في زمن الثورة، منشورات كارم الشريف، تونس، 2011.

AUMERCIER Sandrine, « Edward L. Bernays et la propagande », Revue du MAUSS, 2007/2 (n° 30), p. 452-469. DOI : 10.3917/rdm.030.0452. URL : https://www.cairn.info/revue-du-mauss-2007-2-page-452.htm

Pour citer cette ressource :

Fatima Zohra Rghioui, "الملائكة لا تطير" - كيف تواجه النساء التطرف الديني عندما يحاصرهن؟, La Clé des Langues [en ligne], Lyon, ENS de LYON/DGESCO (ISSN 2107-7029), mai 2023. Consulté le 07/11/2024. URL: https://cle.ens-lyon.fr/arabe/litterature/contemporaine/al-malaika-la-tatir-kayfa-tuwajih-al-nisae-al-tatarruf-al-dini-indama-yuhasiru-hunna