Vous êtes ici : Accueil / Civilisation et société / Monde arabe / أبعاد الإنجاز التاريخي للمنتخب المغربي في كأس العالم 2022 - Question d'actualité

أبعاد الإنجاز التاريخي للمنتخب المغربي في كأس العالم 2022 - Question d'actualité

Publié par Fatiha Jelloul le 02/02/2023

Activer le mode zen

حقق المنتخب المغربي إنجازا تاريخيا في مونديال قطر 2022 وقدم صورة حضارية تجاوزت كرة القدم لتتحول اللعبة إلى ظاهرة اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية تجاوزت الحدود والفواصل ورسخت تعزيز الهوية المغربية بكل مكوناتها. وبالتالي أصبحت الساحرة المستديرة دعامة للتنمية المستدامة للبلاد وتحولت إلى خطاب يؤثر على المتلقين من أجل استخلاص الدروس على الصعيد الداخلي لا بل قوة ناعمة لتحقيق مكاسب خارجية . نقدم في هذه الورقة قراءة في أبعاد انجاز المنتخب المغربي في مونديال قطر .

1- كرة القد م تكرّس الانتماء للوطن

حينما تصنع القيم الروحية والثقافية الانتصار في حقل الرياضة (عربي 21، 10/12/2022) هناك إجماع اليوم بين خبراء الرياضة والمختصين والإعلاميين أن المنتخب المغربي قد خلق المفاجأة، بل إن تأهله لربع النهاية، شكل الإنجاز الأكثر إثارة في كأس العالم، بحيث أصبح هذا المنتخب حديث الصحافة العالمية، وصارت كبريات الصحف العالمية، ترى أن الفريق الوطني حقق إشعاعا كبيرا للمغرب فقط في أربع مقابلات، لم يكن بإمكان الحكومات المتتالية تحقيقه في سنوات حتى ولو كان عملها محكوما بمنطق الاستمرارية والاطراد ووحدة الهدف.

كثيرون حاولوا أن يقرؤوا أسباب هذا الفوز، وهل يكمن في الجهد الإداري والمالي واللوجستي الذي قامت الجامعة المغربية لكرة القدم طيلة العقد الماضي، أم قرار إعفاء المدرب السابق، وحيد خاليلوزيتش وتعيين وليد الركراكي خلفا له، أم يعود إلى المدرب الجديد، أم يعود إلى الكفاءة الفنية لعدد من المحترفين الذين يلعبون في كبريات الأندية الأوربية، أم يعود إلى الجمهور، الذي أشعر المنتخب المغربي ـ بكثافة حضوره ـ كما ولو كان يلعب في مركب محمد الخامس بالدار البيضاء.

ما يهم في تحليل هذا الإنجاز، هي جوانب تتعلق بالأبعاد النفسية والسوسيولوجية والقيمة والحضارية، فهي في تقديري، أهم بكثير من الأبعاد الفنية والتقنية التي يهتم بها المختصون والصحفيون. وهي في التقدير أربعة أساسية: إثبات الهوية، والاندماج العائلي(العائلة)، والقيادة، والقيم الملهمة.

الأبعاد الهوياتية والقيمية في التركيبة السوسيولوجية للمنتخب المغربي

يفترض تحليل إنجاز المنتخب المغربي (التأهل لربع نهاية كأس العالم)، والذي مثل أول إنجاز عربي في كأس العالم، الانطلاق من دراسة التركيبة السوسيولوجية لهذا الفريق، والذي يتكون أغلب لاعبيه من أبناء الجالية المغربية، أو المواطنين الأوربيين ذوي الأصل المغربي، الذين ولدوا في جدول أوربا ونشأوا بها.

التركيبة السوسيولوجية للمنتخب المغربي، تقول أشياء كثيرة، فأغلب هؤلاء ولدوا في دول أوربا، وينحدرون من عائلات مهاجرة (المغاربة المقيمون بالخارج)، وينتمي أغلبهم إلى أوساط جد فقيرة، لم توفر لهم إلا الحد الأدنى من العيش.

يمكن أن يلاحظ على أغلب هؤلاء طابع التدين، على خلاف أجيال سابقة، لم يكن التدين جزءا أساسيا من هويتهم، لكنه في الواقع تدين مغربي موروث عن الآباء، لا علاقة له بتدين جماعات الإسلام السياسي.

ثمة معطى آخر، يزيد هذه التركيبة السوسيولوجية وضوحا، يتعلق بمسار الارتقاء الكروي، والكيفية التي وصلوا بها إلى كبرى الأندية الأوربية، والتي اتسمت بطابع التحدي وإثبات الذات وتجاوز العقبات العنصرية، ومواجهة قرارات غير عادلة من مدربين أوربيين.

تجتمع هذه المعطيات السوسيولوجية، لتبني صورة عن نخبة مغربية في الخارج، عاشت شتى صنوف الحرمان والإقصاء الاجتماعي، واحتمت بقيم عائلاتها المغربية التقليدية، واتسم مسارها بمواجهة العراقيل والعوائق غير الموضوعية لبناء بروفايل رياضي يكثر عليه الطلب من قبل كبريات الأندية الأوربية.

مدخل الهوية يعتبر عنصرا أساسيا في فهم نفسية وعقلية هذه النخبة المغربية التي أضحت تشكل أغلبية المنتخب المغربي، لكن ليس بالمعنى الثقافي فقط، أي النخبة المتحلية بثقافتها، المتشبثة بقيمها ووطنها، بل الهوية بوصفها عنصر ارتكاز في إثبات الذات، وفي التحدي، وفي مواجهة ثقافة الاستصغار والعنصرية والإقصاء الصادرة التي عانوا منها في دول أوربا

المغرب العالمي… مغرب البشرية. (مرايانا، 13/12/2022) أقر وأعترف، أنا الموقعة أدناه، أني لا أؤمن بصفاء الأعراق ولا بسمو بعضها عن بعض. أؤمن بأن روافدنا الثقافية والفكرية هي نتاج عوامل عدة لا توجد الأعراق ضمنها، وإلا فسأكون عنصرية. وحدها العنصرية تنبني على فكرة الميز العرقي.
أقر وأعترف أني مغربية. أتفق وأختلف وأحب وأبتعد عن غيري بناء على مشاعر وأفكار وقناعات وأحاسيس، وليس بناء على العرق. هكذا فقط أكون إنسانا. وهكذا فقط أشبه القيم التي أدافع عنها. أما حين ندافع عن الحداثة وحقوق الإنسان ونؤسس لـ “أبارتايد” عرقي، فنحن بالتأكيد، حينها، نكون قد أخطأنا انتماءنا

أقر، أنا الموقعة أعلاه، وأنا بكامل قوايَ العقلية، أني مغربية، عربية، أمازيغية، إفريقية، موريسكية، مسلمة، يهودية، مغاربية. أنا كل هذا المزيج وأكثر. ابنة التنوع. ابنة التعدد.

أقر، أنا الموقعة أعلاه، أن هويتي ليست عرقا فقط. ليست مجرد حمض نووي… هويتي ثقافة وأغانٍ شعبية وقصائد وصلوات وأهازيج. هويتي لغة ورقصات وأمثلة شعبية ولغة وروايات قرأتها وأفلام شاهدتها وعبارات دارجة سكنت الوجدان واللغة، خارج الإيديولوجيات والقناعات.

أقر، أنا الموقعة أعلاه، أن اختزال الهوية في عرق، هي عنصرية صريحة تؤمن بصفاء الأعراق وتميز بعضها عن البعض الآخر. أليس من البشاعة الإيمان بأن هناك عرقا أفضل من عرق آخر؟ أليس من العنصرية الإيمان بأن التخلف أو التقدم، الحداثة أو الرجعية، مرتبطة بعرق معين وليس بالفكر والثقافة والقيم؟ أن ترفض وتكره انتماءك للعالم العربي بهذا الشكل الفج، وأن ترفض احتفاء الآخر بك بذريعة عرقية هو شكل فج ووقح من أشكال العنصرية

المغرب يكرّس الوجه الإنساني للمونديال (العرب، 16/12/22).الإنجليز والإسبان والإيطاليون والفرنسيون وغيرهم بألوانهم المختلفة يجتمعون على الولع باللعبة الشعبية، لكنهم لا يظهرون قيمتها الإنسانية في تعزيز الروابط الأسرية وتماسكها مثلما عكس ذلك المغاربة. الجميل في الأشياء أن تكون بنسختها المغربية الخالصة. الصورة أقرب إلى قلب الناس مما يقال من كلام في الصحف والمواقع الإلكترونية حتى.

الاختزال في الكلام مفيد، بل هو مفيد جدا. أحيانا نعبّر بأفضل طريقة إن اختزلنا الكلام إلى أبعد الحدود. لكن الصورة وقعها أقوى في مخيّلة الناس، خصوصا إذا عكست ذلك المسكوت عنه. المفروض أن تتدّعم هذه القاعدة أكبر مع تنوع وسائل التواصل الاجتماعي. المونديال بأحداثه الصاخبة، الجميع عاش ولا يزال يعيش أطواره بانتباه جاد.

ظاهرة أخرى برزت مع المنتخب المغربي. حريّ بالصحافة أن تطرق بابها من زمان وتبحث فيها وتوليها الأهمية التي تستحق. أن تظهر للناس الأساس في اللعبة الملهمة لكل شعوب العالم. مع العروض التي يقدمها “أسود الأطلس”، هناك عروض أخرى تظهرها مختلف الصفحات كل ساعة وكل دقيقة وكل ثانية تقريبا. ثقافة جديدة يرسّخها الجيل الذهبي للمغرب. قواعد إنسانية أساسية موازية للنجاحات التي يحققها هؤلاء الأسود على المستطيل الأخضر

  أسود الأطلس.. قصص الكفاح التي صنعت نجوم المغرب في المونديال(الجزيرة، 11/12/2022)خلف إنجازات الرياضة والتحليلات الفنية ولغة الأرقام، توجد قصة إنسانية كبرى يقدّمها أشبال المغرب، عنوانها القدرة على النهوض والتفوق على الذات وإعلاء شأن الأوطان. أبناء أسر مغربية بسيطة ومتوسطة شقوا طريقا وسط حجارة صماء، فكسروا قيود الفقر وأعادوا للمغاربة ومن يقاسمهم شعور الانتماء إيمانا بالذات وثقة في المستقبل.

إلى جانب أبناء المغرب ومسؤوليه ومؤسساته، حملت قصة المغرب في المونديال القطري معاني إضافية عبر كتيبة أبناء المغاربة الذين أجبرتهم مصاعب الحياة على الرحيل والهجرة. أسر مغربية هاجرت نحو أوروبا بحثا عن مصدر رزق ومستقبل أفضل لأبنائها، فكان أن تفجرت طاقات هؤلاء الشباب وأصبحوا نجوما في لعبة كرة القدم، لكنهم ظلوا مغاربة رغم أنهم ولدوا بجنسيات أوروبية، وفتحوا أعينهم على دول الإقامة وتعلموا لغتها

براعم مغربية ولدت ونشأت في بلاد الهجرة، لكن عندما جاءت لحظة الاختيار بخصوص المنتخب الوطني فضلت اللعب للبلد الأصلي، ومنهم من خاض معارك مريرة من أجل ذلك، فكانت الرسالة مزدوجة؛ يستطيع الإنسان المغربي أن ينجح ويتفوق على الأجنبي إذا توفرت له الظروف الملائمة، وخطوة الهجرة والبحث عن هذه الظروف في آفاق أخرى لا تعني أبدا الانسلاخ عن الهوية والانتماء الأصلي..

كأس العالم، بوادر منعرج تاريخي (الاتحاد الاشتراكي، 16/12/2022). قيل عن المنتخب المغربي إن اللاعبين فيه لم يتربوا في التربة المغربية، فهم نشأوا في بلدان أوروبية، و”أخذوا الصنعة” عن نواد أوروبية، ومواهبهم صقلت هناك، بل إن معظمهم لا يعرف حتى اللهجة الدّارجة في المغرب. من السهل أن نردّ على هذا الاعتراض بتوظيف حججه ذاتها، فنقول إنهم، رغم كل هذا، اختاروا أن يلعبوا بقميص مغربي. هذا حتى لا نذكّر بأصول أغلب اللاعبين في النوادي الأوروبية ذاتها. لو أردنا أن نعبر عن حال لاعبي المنتخب المغربي باستخدام لغة الفلاسفة لقلنا إن انتماءهم أوروبي بـالوضع، مغربي بالذات. يتأكد ذلك عند كل ندوة صحافية يقيمها وليد الركراكي، إذ لم يفتأ هذا الناخب-الظاهرة يؤكد أن النتائج التي يحققها زادت المغاربة، بل العرب والأفارقة، التحاما، حتى أن البلد المنظم قد تحول إلى ساحة كبرى يلتف فيها الجميع حول العلم المغربي، والأهازيج المغربية، ليشارك الفرحة المغربية انفعالاتها. ربما بهذا المعنى يتكلم البعض عن إنجاز تاريخي، إذ نادرا ما يعرف أيّ بلد حدثا يجعله قطبا تلتئم حوله الأهازيج والأفراح. بهذا المعنى فإن المشاركة في كأس العالم أثبتت لللاعبين أن الأواصر التي تشدهم إلى بلدهم أواصر متينة، بل أنهم، هم أنفسهم، يسهمون في تعزيز تلك الأواصر حتى بين المغاربة، بل بين العرب، أنفسهم.
هذه هي الدلالة الرمزية القوية لحضور الأمهات والزوجات، ليس في المدرجات وحدها بل حتى وسط الميدان. وهو كما نعلم، حضور أثار انتباه المعلقين الغربيين الذين اكتفوا برده إلى تماسك الأسرة المغربية. إلا أن الأمر يبدو، في نظرنا، أقوى من ذلك بكثير، فهؤلاء الشباب الذين لا يتكلمون، في معظمهم، لغتهم الأم، لا يرون في ما يقومون به، إلا ما يشدهم إلى أمهاتهم، ومن خلالهن، إلى ثقافتهم وروابطهم الاجتماعية. فضلا عن اقتناعهم العميق أنهم، لولا أولئك الأمهات، لما تمكنوا من أن ينجزوا ما أنجزوه . فالأمومة هي وطن من ابتعد عن وطنه .الأمهات هنا أمهات، لكنهن أيضا رمز كفاح وخبرة انتزعت من التجربة البعيدة عن البلد انتزاعا.

رضا الوالدين والعمل بالنية.. هكذا تميز المنتخب المغربي “بقوته الروحانية” في كأس العالم بقطر(عربي بوست، 10/12/2022).رضا الوالدين والنية والأسرة والعمل الإنساني، إنها القوة الروحانية والإنسانية التي طبعت سلوك المنتخب المغربي، قبل وخلال مونديال قطر لكرة القدم، وكانت نبراسا ينير طريقه، إذ جالت مجموعة من صور لاعبي المنتخب المغربي وهم يقبلون رؤوس أمهاتهم أبرز الشاشات العالمية، بعد كل مباراة من المباريات التي يخوضها المنتخب في قطر ضمن منافسات كأس العالم.

صحيح أن الاتحاد المغربي لكرة القدم كان له يد في جلب عائلات اللاعبين لقطر، لكن تصريحات مدرب المنتخب وليد الركراكي تبرز الجانب الإنساني الذي يتميز به معظم اللاعبين، خصوصاً أنه يردد دائماً "ديرو النية" (اعملوا بالنية)

أصبحت مقولة المدرب وليد الركراكي "النية ورضاة (رضا) الوالدين" تميمة المنتخب المغربي خلال مساره بمونديال قطر، إذ خاطب الركراكي في أحد لقاءاته الإعلامية الجمهور المغربي قائلاً: "إلى درتو النية، الكرة ضرب في البوطو وترجع (إذا عملتم بالنية، الكرة ستضرب العارضة وتذهب خارج مرمى المنتخب المغربي)"..

وتحدث الركراكي في كثير من الحوارات الصحفية عن رضا والديه، كسبب مباشر في كل الإنجازات التي يحققها، معتبراً أن "رضا الوالدين وراء كل نجاح"، وقال: "كلشي من رضاة الوالدين، تهلاو في وليديكم (اهتموا بالوالدين)، وديرو النية، والله مغاديش يخيبكم (والله لن يخيبكم)".

2- الإنجاز المغربي في المونديال ..استثمار داخلي

خمسة دروس" قد يستمدها المغرب من الإنجاز التاريخي للأسود في كأس العالم (الحرة، 25/12/2022). لقد أظهر لاعبو المنتخب الوطني قوة في كأس العالم من خلال الفوز ضد فرق كندا وبلجيكا وإسبانيا والبرتغال، وجميع هذه البلدان متفوقة في الدخل والتنمية البشرية على المغرب، لذا يجب على المغاربة العمل بوطنية مماثلة من أجل الصالح العام، وفقا لتعبير الصحيفة.

ونوهت إلى أن هناك تواصلا حقيقيا بين اللاعبين والجمهور الذي ملأ مدرجات الملاعب القطرية، كما خرج مئات الآلاف من الناس إلى الشوارع في جميع أنحاء المملكة للاحتفال بإنجازات المنتخب الوطني خلال البطولة.

وأشارت الصحيفة إلى أن الدرس الثالث تمثل في الاعتراف بالجالية المغربية الكبيرة في أوروبا، إذ أن عددا كبيرا من لاعبي المنتخب ولدوا في دول أوروبية مختلفة وهي حالة غير مسبوقة في تاريخ البطولة.

وذكرت أن صورة لاعبين، مثل بلال الخنوس أو حكيم زياش، وهم يعانقون أمهاتهم على أرض الملاعب القطرية هي أفضل استعارة للهجرة المغربية، لذلك لم يكن عبثا عندما أصر الملك محمد السادس على استقبال ليس فقط اللاعبين ولكن أيضا أمهاتهم.

ورابعا، بحسب الصحيفة، تم كسر الحواجز الاجتماعية، إذ أن رؤية الأمهات والبنات والجدات معا وبمفردهن واللواتي خرجن لتشجيع المنتخب الوطني لكرة القدم في المقاهي والمطاعم والأماكن العامة الأخرى لم يكن نتيجة النشوة الجماعية من أداء "الأسود" فحسب، ولكن أيضا انعكاس للتغيرات الاجتماعية الجارية في البلاد.

إذ أن المقهى، كمساحة ذكورية حصرية ومحظورة على النساء، بدأت تتغير ملامحه في المملكة.

وكدرس خامس، فقد تحسنت صورة المغرب، على الأقل مؤقتا، على حد تعبير الصحيفة. وبما أن كرة القدم وحدها هي القادرة على القيام بذلك، فقد وضعت كأس العالم البلد المغاربي على خريطة العالم، ما قد يعود بالنفع على قطاع السياحة.

المنتخب المغربي أنهى عقداً كثيرة... باي باي "عقدة الخواجة.(رصيف 22، 14/12/2022) يُعطي النجاح المغربي إشارات متعددة وهامة تكسر أوهاماً خُلقت وزُرعت على مدى عقود لمجتمعات هذه المنطقة من العالم، سواء كان يعنيها هذا النجاح أم لا، أهمها على الإطلاق الإجابة على السؤال الذي لطالما اصطدم بالواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي لهذه المنطقة: "لم نحلم؟ هل نستطيع؟" وتأتي الإجابة بسيطة اليوم: "نعم نستطيع!"

هذا النجاح الذي يحققه المغرب اليوم فجّر بدوره جدلاً كبيراً على وسائل التواصل الاجتماعي، يتصل بشكل مباشر بالهوية والانتماء، وبقدر ما يبدو هذا الجدل فجّاً وعنصرياً أحياناً، ويأخذ أبعاداً إيديولوجية، إلا أنه في المقابل في غاية الأهمية، لأن التفاعل معه بين الشعوب والمجتمعات في "العالم العربي"، على اعتبار أنها التسمية الرسمية للدول من المحيط إلى الخليج إلا في بعض الاستثناءات، يؤدي إلى تفاعل كبير بدأ في نهاية 2010 مع اندلاع الثورة التونسية ثم ثورة يناير وثورات الربيع العربي التي أعادت تعاطفاً وشغفاً بين الشعوب وتفاعلاً غير مسبوق منذ عقود، الأمر نفسه يتكرر اليوم بشكل مختلف.

بالطبع لا يعني ذلك الكلام الحلم بـ"وحدة عربية" وإعادة "القومية العربية" إلى الواجهة من جديد، لكن شرارة الأمل تنتقل أيضاً وأثبت ذلك سابقاً.

هذا التفاعل نفسه مطلوب بين أبناء المملكة المغربية أنفسهم وبين المغرب وجيرانه في شمال أفريقيا، وتالياً مع الدول العربية بينها وبين نفسها، إعادة فهم الشعوب العربية لذاتها أمر غاية في الأهمية للمضي قدماً والتخلص من الكوابيس المفروضة عليها.

عندما شاهدت مباريات المنتخب المغربي في البطولة شعرت للحظة بأننا أيضاً نمتلك أبطالاً خارقين لديهم القدرة على صنع المعجزات في مواجهة من سيتم تصنيفهم بعد أعوام قليلة وبعد اعتزالهم بالأساطير (مودريتش ودي بروين ورونالدو وغيرهم) لكن الأسطورة المغربية التي تكتب بأقدام أبنائها أسطورة جمعية تمتلك أهميتها من تلك الرسائل والإجابات التي منحوها للناس..

الإنجاز المغربي في المونديال .. مكاسب جيو-إستراتيجية وقوة ناعمة متصاعدة (هسبريس، 11/12/2022)

خلاصات وتوصيات

-وضع الثقة في الأطر الوطنية، ليس فقط في الرياضة (المدرب)، وإنما في جميع الميادين الاقتصادية والاجتماعية والأكاديمية، ومنح الثقة للشباب والطاقات المغربية وعدم الانتقاص أو التشكيك من قدرات وطاقات البلاد.

-لا ينبغي حصر مظاهر الروح الوطنية في ملاعب كرة القدم واحتفالات الساحات، وإنما إظهار التفاني لخدمة هذا الوطن في مختلف القطاعات والوظائف الحكومية والخاصة، وفي سلوكياتنا وتعاملاتنا اليومية مع بيئتنا ومدننا وقرانا.

-“الملعب الحقيقي”، والمستمر لأطفالنا وتلاميذنا وطلبتنا، هو الأقسام والفصول داخل المدارس وفي قاعات الجامعات والمكتبات. ورغم حماس أجواء الفرح، إلا أن تسجيل حالات هدر ساعات دراسية، والتغيب عن بعض الحصص بدعوى متابعة المباريات، إشارة سلبية لابد من معالجتها وتقويمها تربويا وإعلاميا وأسريا

3- مكاسب خارجية

عوائد الإنجاز الكروي للمغرب في مونديال قطر داخليا وخارجيا (الجزيرة، 4/1/2023)أصبحت كرة القدم لعبة معولمة تساهم في تحقيق الإشعاع العالمي، وتخدم أغراض الدبلوماسية العامة تمامأ مثل الأشكال الأخرى للثقافة، فهي ملاذ للدولة على الصعيد الخارجي واستمرار لدبلوماسيتها بوسائل أخرى. "فالرياضة الأكثر شعبية في العالم صارت إحدى أدوات الدول في بناء صورتها الذهنية، وإظهار مكانتها العالمية، ودرجة النفوذ والتأثير في الساحة الدولية
وفي هذا الإطار، فالقفزة الرياضية التي حققها منتخب المغرب في مونديال قطر لا تكسب احتراما خارجيا للبلد فحسب، وإنما تعزز مكانته الدولية، حيث إن نتائجه المبهرة ستدفع الناس الذين يجهلونه عبر العالم إلى الاهتمام به.
إن الرياضة الدولية هي كفاح وطني ترمز فيه الفرق الوطنية إلى الأمم. ولا يتعلق الرمز الوطني بالفوز باللعبة أو خسارتها فحسب ، بل يتعلق الأمر بعرض هوية وطنية محددة في بيئة بطولة دولية  ذلك أن كرة القدم هي لعبة هوية، تسهم في إبراز صورة الدولة على الساحة الدولية، وفي هذا الإطار فكل مباراة من المباريات السبعة التي استطاع الفريق المغربي لعبها بفضل تقدم نتائجه، لا تبدأ إلا ويسبقها النشيد الوطني فيلهب ذلك مشاعر الحماس بين اللاعبين والمتفرجين، مشكلا مناسبة للالتفاف الوطني، وتعزيزا للفخر بالإنجازات والانتصارات التمكينية.
كذلك، فكرة القدم لعبة لا تعترف بمكانة الدول ولا إمكاناتها العسكرية والمادية، لعبة قادرة أن تكسر هرم العالم الاجتماعي، بين من في الأسفل ومن في الأعلى، حيث الانتصار في مباراة دولية يتجاوز مجرد حسم النتيجة، "إنه مسألة فخر وطني، مسابقة لإظهار تفوق دولة على غيرها.. ولأنه يكلف أقل بكثير من الحرب العسكرية، يمكن لجميع البلدان استخدامها، بغض النظر عن حجمها أو نفوذها أو قوتها". بل إن كرة القدم صارت هي نفسها مصدر قوة
بالنسبة للدول، حتى إن "الدولة لم تعد محددة بالعناصر التقليدية الثلاثة وحدها (الإقليم والسكان والحكومة)، ولكن بعنصر رابع: فريق كرة القدم الوطني. وهكذا فالمغرب الذي يتأخر على مستويات عدة أمام دول واجهها فريقه في المونديال هو نفسه ينجح في تحقيق إنجاز كروي ويتفوق عليها. ذلك أنه حينما يكون الرهان هو الفوز في ظل اشتباك منتخبات الدول على الكأس العالمية "فإن هزيمة الفريق الذي يمثل دولة أخرى، هو طموح ربما يكون أقرب إلى مفهوم القوة الصلبة بدلاً من الدبلوماسية وذلك لأن الأسلوب واللعب النظيف والكرامة والروح الرياضية خاصة في حالة العزيمة يعامل على أنه يتمتع بقيمة متساوية من الناحية الدبلوماسية
لم يكن الفوز مع التقدم في المباريات المظهر الوحيد الذي أدى إلى نجاح دبلوماسية كرة القدم المغربية في مونديال قطر، حيث حظي الفريق الوطني بالتقدير منذ مباراته الأولى التي تعادل فيها مع كرواتيا، بل حتى مع انهزامه أمام فرنسا في الدور نصف النهائي، حافظ على نفس مستوى الإعجاب العالمي الذي راكمه من فوزه على فرق كبيرة
لقد قدمت بطولة كأس العالم التي تصل مشاهدها إلى مليارات الأشخاص عبر العالم، منصة سانحة للمغرب لا مثيل لها من قبل أي هيئة ثقافية أو سياسية دولية، حتى لو كانت الأمم المتحدة وأجهزتها. وقد ساهم فيها لاعبوا الفريق الوطني بالدعاية والترويج لبلدهم على نطاق واسع بشكل لم يقو حتى سياسيوه ودبلوماسيوه على تجسيده. ذلك أن مثل هذا "الحدث الرياضي الضخم، لا سيما في الأحداث الدولية الشمولية المنتظمة، عندما يتم تشكيله كحدث إعلامي واستهلاك عالمي، له تأثير عالمي

وإذا كان النجاح في الملعب يُفسَّر على أنه أفضل شكل من أشكال دبلوماسية كرة القدم فليس أعضاء الفريق وحدهم مَن أسهم في هذا الإنجاز بالنسبة للمغرب، بل الجماهير أيضا التي كانت وراء أحداث صناعة الفوز أو طقوس الاحتفال، ففي حين أن دبلوماسية كرة القدم تقوم على وظيفتَي التمثيل والاتصال فقد اضطلع اللاعبون بوظيفة التمثيل فكسبوا القلوب والعقول عبر أرجاء العالم، ليس فقط بأدائهم بل بقيمهم الثقافية العائلية والتضامنية والدينية، لأن "الرياضة، وكرة القدم على وجه الخصوص، لا ينبغي أن تُعامَل فقط باعتبارها شكلا من أشكال الترفيه أو أوقات الفراغ، ولكن بوصفها مكانا للإنتاج الثقافي، حيث يتفاوض المعجبون ويعيدون التفاوض على هويات متعددة".  أما الجمهور فجسد وظيفة الاتصال وروج لصورة أمة، وهكذا توحد الطرفان حول رسالة التسويق لفكرة وطن، فساهما معا في أن يكون المغرب في دائرة الضوء في كل وسائل الإعلام الدولية

باستحضار منظور القوة الناعمة الذي يتجاوز خرائط القوة الدولية للشمال المتقدم والجنوب المتخلف، ويتناسب مع الرياضة الأكثر شعبية في العالم، فإن الشهرة الكبيرة التي حازها الفريق المغربي في مونديال قطر والمكانة الدولية للبلد تجعله يرتقي إلى اعتباره قوة ثقافية تحقق أهدافا سياسية، ففريق كرة القدم إذ يجسد الدولة والصورة الرمزية للأمة فإنه يسهم بشكل كبير في شعبية البلد بنفس الكيفية التي تعمل بها العوامل الثقافية الأخرى.


 

.

Pour citer cette ressource :

" أبعاد الإنجاز التاريخي للمنتخب المغربي في كأس العالم 2022 - Question d'actualité ", La Clé des Langues [en ligne], Lyon, ENS de LYON/DGESCO (ISSN 2107-7029), février 2023. Consulté le 19/04/2024. URL: https://cle.ens-lyon.fr/arabe/civilisation/monde-arabe/question-dactualite-abad-al-injaz-al-tarikhi-li-l-muntakhab-al-maghribi-fi-kaes-al-alam-2022