Vous êtes ici : Accueil / Littérature / Contemporaine / أتذكر الفلوجة: رحلة استكشافية في أعماق الذاكرة والهوية

أتذكر الفلوجة: رحلة استكشافية في أعماق الذاكرة والهوية

Par Fadi Assaf : Etudiant Master 2 Traduction et Interprétation / Traduction et édition littéraires - Université Lyon 2
Publié par Fadi Assaf le 15/02/2024

Activer le mode zen

يقدم لنا الكاتب فرات العاني، الذي وُلد في باريس لأبوين عراقيين، في روايته "أتذكر الفلوجة" رحلة أدبية مميزة تأخذنا إلى عوالمه الفريدة. يجسد العاني من خلال هذا العمل الأدبي تفاعلاته مع تاريخ بلاده وأصوله، مما يجعل الرواية تحمل بين طياتها لحظات مميزة ومؤثرة. وقد توّجت رواية "أتذكر الفلوجة" بجائزة الأدب العربي من "معهد العالم العربي" في باريس لعام 2023.

Cet article a été rédigé dans le cadre d'un stage à l'ENS de Lyon

العرض

في عمل أدبي يتميز بالتنوع والعمق خاض الكاتب تجربة فريدة في التفاعل مع قضية الهوية، واستخدم حواراً شفافاً بين أب وابنه ينسج بين ألوان الذاكرة وتقنيات السرد بمهارة، فيسلُك درب الماضي والحاضر، ويمزج بين الواقع والخيال.

يتناوب السرد بين الماضي الذي عاشه أحمد رامي وذلك الذي عاشه فرات، ابنه. فالأمر أشبه برحلة عبر الزمن والمكان، ما بين أرض العراق وأراضي فرنسا. تحطُ أسراب الذكريات لتشكل قصة عائلية مؤثرة بما تحمله من وجع وفرح. تعزز الرواية نفسها بالغمر الحسي في تفاصيل تاريخ العراق، حيث تتشابك حكاية العائلة المنفية مع الأحداث السياسية التي عصفت بهذا البلد، منذ انقلاب عبد الكريم قاسم في عام 1958 وتحول نظام الحكم من ملكي إلى جمهوري إلى عاصفة الصحراء وسقوط نظام صدام حسين في عام 2003  والغزو الأمريكي للعراق والحرب الأهلية.

الحبكة 

تقدم رواية "أتذكر الفلوجة" قصة الشاب أحمد رامي الذي اتخذ قراراً مصيرياً في بداية السبعينيات بمغادرة العراق هارباً من القمع، ليتخذ فرنسا منفىً له. يختار رامي النأي عن ماضيه المظلم المليء بالمأساة والظلم، معتقداً أن الرجل الصامت الذي عزم أن يصبح عليه سيمكنّه من نسيان ذلك الرجل الذي كان عليه في الماضي. يعيش رامي في حالة من التناغم مع منفاه بصكه الباب في وجه ماضيه فارضاً هذا الوهم على محيطه وعائلته، خاصة على ابنه الذي لا ينفكّ يطرح الأسئلة حول أصوله العراقية ويبحثُ في تفاصيل حياة عائلته في الماضي. يتسنى للقارئ استكشاف تفاصيل حياة الأب تدريجياً من خلال جهود ابنه ولقائه بأشخاص جدد، بالإضافة إلى الذكريات التي تكشف عن معاناته الرهيبة.

تتجلى في هذه الرواية، براعة الكاتب في التنقّل بين خيوط الزمن والقفز بين مراحله المختلفة ليقدم صورة حية للتاريخ والحياة العراقية المعاصرة على مدى نصف قرن تقريباً. يعمل هذا النتاج الأدبي ليس على سبر أغوار أحمد رامي فحسب وإنما على تسليط الضوء على أحداث تاريخية مفصليّة في العراق تركت أثرها على حياته كما على حياة الأفراد بشكل طبيعي من حروب وديكتاتوريات وانقلابات. يظهر فرات العاني ككاتب يجمع بين السرد الفردي والتاريخ الجماعي، مما يوفر فهماً عميقاً للتحديات التي مر بها هذا البلد.

الثيمات 

1. الهوية 

ناهلاً من فكر أمين معلوف حول أحد مفاهيم الهوية التي فصّلها من منظور شخصي في كتابه "الهويات القاتلة" حيث يُظهر أن الهوية ليست كياناً ثابتاً وجاهزاً، بل هي متحركة وقابلة للتغيير بناءً على تأثيرات الزمان والمكان والثقافة والأفكار الجديدة في حياة الفرد، يؤكد فرات العاني في "أتذكر الفلوجة" هذا المفهوم. يشير معلوف إلى أن كل ما يحدث في حياة الإنسان يؤثر على فهمه لذاته، وعلى مواقفه وشخصيته، مما يجعل الهوية متغيرة ومتطورة، ولا يمكن اعتبارها بنية ثابتة لا تتأثر بالتحولات والتغيرات.

وكون بطل روايتنا من المنفيين، يرى العاني أن المنفيين يحملون ماضيهم وتجاربهم كجزء من هويتهم. أما الأجيال التي وُلِدَت في المنفى، فتجد صعوبة في تحديد هويتها دون الرجوع إلى جذورها وتاريخها، لذلك كان لا بد التمحيص في العناصر التي تشكل كيانه وجذوره من خلال العودة إلى الماضي، وكأن العاني يجيب على سؤال أمين معلوف في "الهويات القاتلة"(( أمين معلوف، الهويات القاتلة، ترجمة نهلة بيضون، دار الفارابي، بيروت، الطبعة الثانية، 2011، ص: 7)) عندما قال: هل أكونُ أكثر أصالةً لو استأصلتُ جزءاً من كياني ؟

لتأتي الإجابةُ مؤكدةً أن الهوية ليست مجرد اسم أو مسقط رأس، بل هي مجموعة من العوامل والخبرات التي نبنيها ونعيشها في حياتنا. إنها "الحقيبة"((رواية "أتذكر الفلوجة".. نسيان الـمنفى، تذكر العراق • فرانس 24 / FRANCE 24 (youtube.com) )) التي نملأها بكل ما نتعرض له أثناء رحلتنا عبر الحياة، وعندما تصبح ثقيلة يمكننا التخلص من بعض الأشياء فيها، لكنها تظل حالة خاصة ومميزة بالنسبة لنا. يعتقد العاني أن الجذور لها دور مهم في بناء المستقبل، ويصف الهوية كشجرة متعددة الفروع. الرواية تؤكد أيضًا على عدم وجود تعريف أحادي ومنغلق للهوية، هذا ما يمكن أن نراه في إصرار فرات على معرفة أصوله العراقية وعلى كسر صمت والده الذي كان قد اتخذ نهجاً مغايراً بإعطاء الهوية بعداً منغلقاً يتمحور حول ما أصبح عليه في فرنسا وبرفضه البوح عمّا عاشه في العراق.   

2. الصمت والذاكرة والنسيان 

إذا نظرنا إلى الصمت كواحد من تجليات الذاكرة، فإن النسيان يظهر كمنفى لها وعدوها اللدود. يعتبر الصمت ردة فعل طبيعية للكثيرين في مواجهة تجاربهم الصعبة والمؤلمة. نرى في كثير من الروايات أن الشخصيات الضحايا تختار الصمت كسبيل للنسيان ومحاولةً منها لطمس الذاكرة. يأتي الكاتب ليُقاوم النسيان بكلمته، ويُحاول جاهداً استحضار الذكريات وإحياء الأحداث التي قد تكون مؤلمة، مسلطاً الضوء على التجارب الإنسانية والاجتماعية وتوثيقها. عندما يتحدث الأدب عن التجارب والصراعات، يمنح الأفراد والمجتمعات فرصة لمواجهة الماضي والنمو من خلاله.

غالباً ما تتقاطع الذاكرة في أعمال كثيرة مع فكرة "الإرث الجيلي" أو "تناقل الأجيال لإرث ما". تتموضع الهوية في هذا الإرث كموضع الفؤاد من الجسد. يقول الكاتب فرات العاني: "إذا كان هناك رسالة أرغب في توصيلها من خلال هذه الرواية، فهي أنه يجب رفض النسيان، وعدم نسيان أصولنا، ورفع القيم التي تم توريثها إلينا بكل فخر((جـــائـــزة الأدب العـــربـي 2023، مُنحت للكاتب فرات العاني | Institut du monde arabe (imarabe.org)))".

الخاتمة

في ختام الرواية، يظهر بوضوح أن التفاعل العميق مع مفهوم الهوية والذاكرة يمثل نقطة محورية في رحلة الشخصيات. يؤكد الكاتب بشكل لا لبس فيه على أهمية الاحتفاظ بالذاكرة والتفاعل مع التراث الثقافي والسياسي والاجتماعي كمكون أساسي لتحديد الهوية. تتجلى روعة الرواية في إلقاء الضوء على التحولات الروحية والثقافية التي يمر بها الإنسان في رحلة البحث عن الذات وتأصيلها. يعمل الاحتفاظ بالذاكرة على تعزيز الروابط الانسانية وتقوية الانتماءات، مما يسهم في بناء مجتمعات تتمتع بالوعي التاريخي والثقافي وتعزز التفاهم والتسامح بين أفرادها. لذلك، يبقى التفاعل مع التراث الثقافي واحترام الذاكرة مسؤولية جماعية وفردية يجب علينا تحملها لتشكيل مستقبل أفضل وأكثر تلاحماً وتفاعلاً مع تحديات الحاضر ومستقبل الأجيال القادمة.

Pour citer cette ressource :

Fadi Assaf, "أتذكر الفلوجة: رحلة استكشافية في أعماق الذاكرة والهوية", La Clé des Langues [en ligne], Lyon, ENS de LYON/DGESCO (ISSN 2107-7029), février 2024. Consulté le 07/11/2024. URL: https://cle.ens-lyon.fr/arabe/litterature/contemporaine/atadhakkar-al-falloujah-rihla-istikshafiyya-fi-amaq-al-dhakira-wa-l-huwiyya