Vous êtes ici : Accueil / Civilisation et société / Monde arabe / الزلازل .. ظاهرة طبيعية أم غضب السماء ؟ - Question d'actualité

الزلازل .. ظاهرة طبيعية أم غضب السماء ؟ - Question d'actualité

Par Lama Zoudi : Etudiante en Master 2 Traduction et Interprétation / parcours TEL ( Traduction et Édition Littéraire) - Université Lyon 2
Publié par Lama Zoudi le 27/03/2023

Activer le mode zen PDF

في هذه الورقة مسعى لتناول ظاهرة الزلازل وتسليط الضوء على الأسئلة التي تنشأ بعد وقوع الكوارث الناجمة عنها حيث إن الزلزال الذي ضرب سورية وتركيا دفعنا بالزمن إلى الوراء لننظر إلى هذه الظاهرة عبر بوابة الماضي والأدب والتراث سائلين أنفسنا هل نحن بحاجة إلى زلزال روحي ؟

 1. الزلزال في التراث العربي

سببها بعوضة وأوّلها حدثت يوم قُتل هابيل... الزلزال في التراث العربي (رصيف 22، 11/02/2023) يقول أسامة بن منقذ: "لا ألتقي الدهرَ من بعد الزلازل ما/حييت، إلّا كسير القلب حيرانا". هذا هو حال السوريين بعد أن عصفت بهم نار الحرب السوداء لتأتيهم بعد ذلك الطبيعة بزلزالها، فإن كسرت الحرب منهم العظم، فزلزال كهرمان مرعش الذي ضرب تركيا في ساعة مبكرة من صبيحة يوم الاثنين الموافق 6 شباط/فبراير عام 2023 وامتدّ إلى سوريا شظّى أرواحهم الهشّة في صبح مستطيل؛ وهو الصبح الكاذب، فمتى يتقد صبحكم المستطير بالنور والأمان أيّها السوريون؟

يعود أول مقياس للزلازل إلى الصين عام 132م، وكان يسمى جرّة التنين، وهو عبارة عن جرّة أسطوانية يخرج منها ثماني أذرع على شكل رؤوس التنانين وفي كل فم كرة. وتسقط الكرات تباعاً حسب شدّة الزلزال إلى أفواه ثمانية ضفادع. أمّا العرب فقد ذهبوا في تحديد شدّة الزلزال إلى قياس مدّته الزمنية، فيذكر الدواداري بأنّه في العام 702 هـ، قامت الأرض تهتزّ ربع ساعة فلكية، أو خمس درج في تقدير المقريزي، أي ما يعادل عشرين دقيقة؛ فيقولون وقعت في القاهرة زلزلة نصف درجة ولو دامت لأفسدت. أمّا عن قوة الزلزلة، فكانت توصف بالكلمات من قبيل: شديدة، هائلة، متوسطة، خفيفة. وفي زمننا الحالي يعتبر مقياس ريختر الأشهرَ في قياس شدّة الزلازل.

يذهب علماء الجيولوجيا في الكشف عن آثار الزلازل إلى التنقيب في طبقات الكرة الأرضية، ويدعمهم في هذا البحث ما جاء في كتب التاريخ من ذكر عنها. وتعتبر رسالة السيوطي "كشف الصلصلة عن وصف الزلزلة"، من أهم المجاميع التراثية التي تذكر الزلازل في منطقتنا العربية. ولقد تنوّعت هذه المصادر ما بين ما يختصّ بالزلازل، حيث أورد ابن النديم في فهرسه كتاباً بعنوان "علم حدوث الرياح في باطن الأرض المحدثة كثير الزلازل" وهو للكِندي. ويعدّ أقدم مصدر عربي اختص بذكر الزلازل.

وذكر ياقوت الحموي في كتابه "معجم الأدباء" أن ابن عساكر كتب كتاباً من ثلاثة أجزاء بعنوان "الإنذار بحدوث الزلزال". وهناك العديد من الكتب التي تناولت الزلزال بجانبه الفقهي والديني. وفي جانب آخر تناول الكتّاب العرب القدماء الزلازل ضمن كتبهم، كما فعل الطبري في "تاريخ الرسل والملوك"، و"الكامل في التاريخ" لابن كثير.

هذا الاهتمام بالزلازل من العرب قادهم إلى البحث في أسبابها، فمنهم من أرجعها إلى أسباب دينية وعقابية، ووضعها آخرون ضمن مخيال خرافي. أمّا البقية، فقد نحوا منحى طبيعياً في تفسيرها، ولقد بدأوا التسجيل من العام 20 هـ، في حين ربطوا الزلازل قبل البعثة النبوية بأحداث دينية متعلّق بولادة الأنبياء أو اضطهادهم.

يقول السيوطي بأن أول زلزلة في الأرض حدثت يوم قتل قابيل أخاه هابيل واستمرت سبعة أيام. وأورد بأنّ أرض الشام قد اهتزت بعد المسيح واحدة وثمانين مرة. ويذكر أنّ الأرض قد رجفت يوم مولد الرسول، وفيها سقطت أربع عشرة شرفة من إيوان كسرى. وحاول الفلكيون أن يتنبأوا بالزلازل، ويذكر العسقلاني ذلك، بأنّه عام 801 هـ ذكر أهل الهيئة بأنّه يقع في هذه السنة زلزال عظيم، في أول جمعة منها. وشاع بين الناس ذلك، لكن لم يقع شيء من ذلك وكذّبهم الله.

وجاء في كتاب "تحفة الحبيب على شرح الخطيب" للبجيرمي نقلاً عن القزويني بأنّ سبب الزلزلة بعوضة خلقها الله وسلّطها على الثور الذي عليه الأرض، فهي تطير أبداً بين عينيه، فإذا دخلت أنفه، حرّك الثور رأسه، فيتحرّك جانب من جوانب الأرض. ويضيف سبباً آخر بأنّ عروق جبل قاف المحيط بالدنيا تمتدّ في أصول بلاد الأرض، فإذا أراد الله أن يعذّب بلدة، أمر ملكاً بتحريك ذلك العرق الذي هو راسخ تحتها، فتتزلزل تلك البلدة. ويقال بأنّ سبب الزلزلة بأنّ الله تجلّى للأرض فترتجف خشية منه.

مسبّبات الزلزال عند العرب

تعني الزلزلة في كلام العرب تحريك الشيء، وفي القرآن: "إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا" أي تحركت حركة شديدة. وتُسمى الزلزلة الرجفة. وقد جمع الدكتور عبد الله يوسف الغنيم في كتابه "أسباب الزلازل وأحداثها في التراث العربي" أهم آراء المؤرخين والجغرافيين وعلماء العرب عن أسباب نشوء الزلازل، والتي تكاد تجمع على عدّة أسباب.

يرى إخوان الصفا بأنّ الكهوف والمغارات التي في جوف الأرض والجبال، إذا لم يكن لها منافذ تخرج المياه منها وبقيت تلك المياه محبوسة، فأنّها تحمى نتيجة سخونة باطن الأرض، فتتحوّل إلى بخار، وإن لم تجد مكاناً تنفذ منه، تشقّ الأرض وتخسفها ويسمع لذلك صوت قوي.

ويذهب ابن سينا إلى تعريف الزلزلة بأنّها حركة تعرض لجزء من الأرض نتيجة بخار ريحي أو ناري في باطن الأرض، ولا شيء يحرك الأرض تلك الحركة السريعة غير الريح أو مياه تسيل بقوة. وهو بذلك يستند إلى رأي ديمقريطس، ولا يبتعد ابن حيان في تحليله عن ما سبق وكذلك القزويني، واعتبر العرب بأنّ البلاد التي تكثر فيها الآبار والأقنية تخفّف من احتباس الريح والماء مما يحدّ من الزلازل. وتعود آراء العلماء العرب إلى آراء أرسطو في كتابه "الآثار العلوية".

    تفاعلات الطبيعة أم غضب السماء.. كيف فسر علماء المسلمين حدوث الزلازل عبر التاريخ؟ (الجزيرة، 08/02/2023) كانت سنة 597 للهجرة سنة كارثة لا حد لسقفها، هلك فيها مئات الآلاف من الأرواح والأنعام، وانتقضت فيها راسيات المدن وشامخات القصور، واقتات الجوع من الناس حتى أكل بعضهم بعضا، وغرق فيها قلم التاريخ في تسويد فظائع لا يمكن أن تنحصر.

ومن أحداثها المرعبة، التي أوردها المؤرخ ابن كثير في كتابه البداية والنهاية، حادثة الزلزال العظيم الذي عصف بأجزاء كبيرة من العراق وتركيا الحالية وبلاد الشام.

ففي هذا العام كما يقول ابن كثير "كانت زلزلة عظيمة ابتدأت من بلاد الشام إلى الجزيرة وبلاد الروم والعراق، وكان جمهورها وعظمها بالشام تهدمت منها دور كثيرة، وتخربت محال كثيرة، وخسف بقرية من أرض بصرى، وأما سواحل الشام وغيرها فهلك فيها شيء كثير، وأخربت محال كثيرة من طرابلس وصور وعكا ونابلس.

ولم يبق بنابلس سوى حارة السامرة، ومات بها وبقراها 30 ألفا تحت الردم، وسقط طائفة كثيرة من المنارة الشرقية بدمشق بجامعها، و14 شرافة منه، وغالب الكلاسة والمارستان النوري.

وخرج الناس إلى الميادين يستغيثون وسقط غالب قلعة بعلبك مع وثاقه بنيانها، وانفرق البحر إلى قبرص وقد حذف بالمراكب منه إلى ساحله، وتعدى إلى ناحية الشرق فسقط بسبب ذلك دور كثيرة، ومات أمم لا يحصون ولا يعدون حتى قال صاحب "مرآة الزمان" إنه مات في هذه السنة بسبب الزلزلة نحو ألف ألف ومائة ألف (أي 1.1 مليون) إنسان قتلا تحتها، وقيل إن أحدا لم يحص من مات فيها والله سبحانه أعلم".

وإذا منح قلم التمحيص نسبة من التدقيق للمبالغة والتهويل فإن الرقم في كل حالاته يظل مروعا، فهلاك أكثر من مليون إنسان في آثار هذه الرجفة كما يذكر صاحب كتاب مرآة الزمان، هو من فواجع الخطوب ومن عظائم أحداث الزمان، غير أن هذا الزلزال لم يكن الأول ولا الأخير في تاريخ وجغرافية المنطقة، بل عرفت منذ القدم أحداثا متشابهة، وتوالت عليها أمثاله تترى حتى زلزال صبيحة الاثنين الماضي الذي أوقع قتلا ودمارا وتشريدا هائلا في مدن تركية وسورية عديدة.

فكيف عرف العرب الزلازل، وكيف فسروا حدوثها، وكيف احتفظت ذاكرة الشعوب برقصات الجبال المهلكة، ورجفات الأرض الحارقة.

بين الدين والجيولوجيا.. كيف فسر العرب الزلازل؟

يمكن اعتبار دراسة الدكتور والباحث الكويتي عبد الله يوسف الغنيم "أسباب الزلازل وأحداثها في التراث العربي"، التي جاءت في 113 صفحة، أهم وربما أقدم دراسة عربية حديثة تناولت موضوع الزلازل من زاويتي التاريخ والجغرافيا، حيث يقدم في دراسته المكتنزة عن الزلازل في التراث العربي نماذج متعددة من التفسيرات العربية القديمة للزلازل والبراكين، سنعرض لاحقا لبعضها، كما ترد أخبار الزلازل متناثرة في كتب تراثية متعددة، وفي تواريخ البلدان وأحداث السنين.

ويرد لفظ الزلزلة في اللغة دلالة على الرجفة والتردد الشديد، وجاء في القرآن الكريم ضمن أشراط الساعة، ونذائر اليوم الأخير، قوله تعالى: {إذا زلزلت الأرض زلزالها (1) وأخرجت الأرض أثقالها (2) وقال الإنسان ما لها (3) يومئذ تحدث أخبارها (4)}.

كما ورد اللفظ مجازا للتعبير عن القلق والرعب والهزيمة النفسية التي تعصف بمجامع القلوب في قوله تعالى: {هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا}. وحفلت معاجم اللغة العربية بتآلف معنى الزلزلة الأصلي والمجازي مع الرجفة والتحريك الشديد والاضطراب.

أما في التراث العلمي العربي، فيتداخل التفسير العلمي والديني لهذا الحدث الجيولوجي المدمر، حيث يدفع به عدد من العلماء المسلمين الأقدمين إلى خانة الآيات المنذرة، والعلامات المحذرة {وما نرسل بالآيات إلا تخويفا}، ولكن الثابت عند علماء المسلمين القدماء والمحدثين، أن ضحايا الزلازل شهداء، ومرتبة الشهادة لها مكانة عظيمة في الرؤية الإسلامية.

أما في محاولات التفسير العلمي، فلعل من أكثرها شيوعا ما يقدمه إخوان الصفا في رسائلهم غير المعروفة المحرر حيث تقول إحدى هذه الرسائل "إن الكهوف والمغارات والأهوية التي في جوف الأرض والجبال، إذا لم يكن لها منافذ تخرج منها المياه، بقيت تلك المياه هناك محبوسة زمانا، وإذا حمَّ باطن الأرض وجرف تلك الجبال، سخنت تلك المياه ولطفت وتحللت وصارت بخارا، وارتفعت وطلبت مكانا أوسع، فإن كانت الأرض كثيرة التخلخل، تحللت وخرجت تلك البخارات من تلك المنافذ، وإن كان ظاهر الأرض شديد التكاتف حصيفا منعها من الخروج، وبقيت محتبسة تتموج في تلك الأهوية لطلب الخروج، وربما انشقت الأرض في موضع منها، وخرجت تلك الرياح مفاجأة، وانخسف مكانها، ويسمع لها دوي وهدة وزلزلة.

وتتقارب أغلب التأويلات التي كتبها الأطباء والجغرافيون العرب مع هذه الأسباب التي ذكرها إخوان الصفا، مع اختلافات قليلة وإضافات نسبية، حيث يضيف ابن سينا ما يمكن تسميته بالضغط الجوي، الذي يزيد من حدة الاحتباس الحراري داخل الأرض، ويدفع إلى الخسف أو الزلزال حيث يقول "الزلازل تحدث إما بخروج الرياح المحتبسة، وهو الذي عليه أكثر الزلازل، أو بدخول الهواء في الأرض. وأكثر ما تكون الزلازل عند فقدان الرياح.. وفي أكثر الأوقات قد يتبع سكون الزلازل ريح تهب؛ لأن السبب ينفصل ويخرج إلى الخارج. وكثيرا ما يكون وقت الزلازل غمامات راكدة في الجو ويكون الجو ضبابيا).

أما الجغرافي العربي القزويني فيشبه حركة الزلزلة بانتفاض جسد المحموم، حيث يرى أن احتقان الغازات التي يعبر عنها بالأدخنة والرياح، في باطن الأرض الصلبة التي لا منفذ منها لتسرب هذا الهواء يؤدي إلى تلك الرجفة المهلكة "زعموا أن الأدخنة والأبخرة الكثيرة إذا اجتمعت تحت الأرض، ولا يقاومها برودة حتى تصير ماء، وتكون مادتها كثيرة لا تقبل التحليل بأدنى حرارة، ويكون وجه الأرض صلبا لا تجد فيه البخارات إذا قصدت الصعود المنافذ والمسام، فتهتز لذلك بقاع الأرض وتضطرب كما يضطرب بدن المحموم عند شدة الحمى".

2. الزلزال في الأدب

الزلازل في الأدب: لعبة جمالية أم وسيلة لإيقاظ المثل الإنسانية؟ (القدس العربي، 12/02/2023)  سلك الأدب مسلك الاحتجاج وعدم السكوت أمام الأحداث التي تهز حياة الإنسان، وتسعى ليس فقط لنقل أوجاعه، بل لاقتراح حلول. منذ أدب جول فيرن إلى جان بول سارتر، كان الأدب واجهة لمخاطبة الوعي وإيقاظ الضمائر والعقول لمواجهة الأخطار التي تتربص بالإنسان، بدءا بغرائزه الشرهة وأطماعه الغريبة إلى كوارث الطبيعة، التي في الغالب حين تحدث تكسر جبروته وتقلص من غروره وتعيده لحجمه المتناهي في الصغر أمام عظمة الخالق.

لا يمكن إنكار بُعْد الكارثة المرتبط بالأدب، فالشرور بأنواعها يكون لها التأثير الأكبر في الذاكرة الإنسانية، ولهذا تؤخذ بعين الاعتبار لبناء قصّة جيدة، على اختلاف شكل البناء، شعرا كان أم رواية أم قصة قصيرة أم مسرحية.
وقد أشرت في مقالات سابقة إلى مدى تأثير الأوبئة في الأدب، كعنصر مُلهم لكتابة روائع مثل «الحب في زمن الكوليرا» لماركيز، أو «الطاعون» لكامو. لكن حفر الأدب للكارثة في الوجدان الإنساني يتجاوز مجرّد شهادة أو استحضار للحدث، فغالبا ما يتحوّل هذا العمل عنصرا أساسيا في دراسات كثيرة تاريخية واجتماعية وثقافية لاستخلاص التغيرات والتحولات التي تشهدها المجتمعات بعد كل كارثة طبيعية بحكم الأحجام الضخمة التي تبسط بها قوّتها فتمحي مرحلة لتولد مرحلة جديدة في حياة المجموعات الإنسانية.
يُعيد الزلزال الأخير الذي ضرب جزءا من تركيا وسوريا، وشعر به أكثر من بلد عربي طريقة تفسير الكوارث الطبيعية من طرف المجتمع بإيجاد صلة وثيقة بينها وبين الإيمان الديني، إذ يعتبرها دائما تعبيرا عن الغضب الرّباني لمعاقبة الخاطئين من البشر، وكلما كان حجم الخطايا كبيرا، ازداد حجم الكارثة.
استحضر هنا كتاب «المنازل والديار» لأسامة بن منقذ الذي ألّفه بعد حدوث زلزال قوي سنة 652 فأتى على حصن شيْزَر بمن فيه من أبناء عمومته وأقاربه، جاء الكتاب في نحو خمسمئة صفحة ضمت مراثيه لكل الذين فقدهم وأشعارا أخرى لمن جايلهم. ومن بين ما ورد فيه قوله :
ماتوا جميعا كرجع الطرف وانقرضوا … هل ما ترى تارك للعين إنسانا
لم يترك الدّهر لي من بعد فقدهم … قلبا أجشّمه صبرا وسلوانا
فلو رأوني قالوا مات أسعدنا … وعاش للهم والأحزان أشقانا
بادوا جميعا وما شادوا فوا عجبا … للخطب أهلك عُمَّارا وعمرانا
هذي قصورهم أمست قبورَهم … كذاك كانوا بها من قبل سكّانا
وهي بكائية طويلة تروي قصة أمراء بني منقذ، الذين سيطروا على حصن شيْزَر وأسسوا إمارتهم التي حاربوا من أجلها وظلّت قائمة إلى أن أتى زلزال قوي أفنى العائلة كلها، ولم يبق منها إلاّ الفارس الشاعر أسامة بن منقذ شاهدا على ما حدث، مختصرا قصة حصن وجاه وسلطة، انتهت بضربة من عدو غير متوقع خرج من عقر الأرض التي استولى عليها بنو منقذ ببسالتهم وسيوفهم. يعتبر كتاب أسامة بن منقذ مرجعا أدبيا مهما للدارسين والباحثين إلى اليوم، وإن كان أيضا وثيقة تاريخية مهمة تروي تاريخ الحصن، وجزءا مهما من تاريخ سوريا القديمة.
في الفاتح من نوفمبر عام 1755 اهتزّت الأرض في لشبونة فمات جرّاء تلك الهزة ثلاثون ألف شخص، فكتب فولتير قصيدته الشهيرة «قصيدة حول كارثة لشبونة» فقد أفجعته تلك الكارثة وظلّت تقرع في رأسه فترة طويلة، رغم أنها لم تحدث في فرنسا، لكنّها بالنسبة له كانت انتقاما من الله من البشر الذين عاثوا في الأرض فسادا، وهذا لا يخالف نظرة المجتمع كله آنذاك للظواهر الطبيعية الغاضبة غير المفهومة، لكن أيضا لم يختلف فولتير عن الشعراء الذين يرون مآسي الإنسان واحدة في كل مكان، فشاعر النيل حافظ إبراهيم تأثر كثيرا بالزلزال الذي ضرب مسينا الإيطالية عام 1908 فكتب قصيدة من تسعة وخمسين بيتا، ومن بين ما ورد فيها قوله :
ما لمسين عوجلت في صباها … ودعاها من الردى داعيان
خسفت، ثم أغرقت، ثم بادت … قضى الأمر كله في ثواني
وأتى أمرها فأضحت كأن لم … تكُ بالأمس زينة البلدان

ومثله السياب الذي كتب مجموعته «المعبد الغريق» متأثرا بغرق معبد بوذي في شبه جزيرة ملايو في بحيرة شيني، التي تعتبر اليوم جزءا من ماليزيا حاليا، إثر انفجار بركاني خلخل المدينة كلها وأغرقها بالرماد، كان الموت يعشش في قلب الشاعر ويتمناه بشوق الفاقد للأمل في العيش، فتقاطعت أبيات قصائده الخمسة والعشرون التي تضمنتها المجموعة، بكل الرؤى الغريبة التي تملّكته بين معبد غريق في آسيا، ونفسه الغريقة في أحزان كثيرة منها افتقاده للحب في حياته، وهو أكثر شيء دمّره نفسيا، وكان سببا ربما في موته المبكر.

لكن يبدو لي من وجهة نظر شخصية محضة أن أكثر كتاب يمكن أن يقرأ في هذه الفترة، خاصة لمن عاشوا صدمة الزلزال وفواجعه، هو مجموعة قصصية بعنوان «ما بعد الزلزال» للروائي الياباني هاروكي موراكامي، يمكن اعتبارها رواية بما أنها التي ترصد «زلزال كوبي» الذي حدث سنة 1995 من خلال ستة أشخاص، بحيث يروي حكاية كل شخص على حدة، لكنه في النهاية يشرح بأسلوبه الجميل كيف استمرّت الهزّات في قلوب اليابانيين، رغم مرور شهر على الكارثة. وصف الكاتب زلازل داخلية بدأت تحدث مباشرة في خبايا النفوس، فقد أغرقت الحياة اليومية سريعة الإيقاع في اليابان الإنسان الياباني بتراكمات حوّلته لما يشبه آلة مبرمجة، فأتى الزلزال ليهشّم صورة الحياة المكتملة والجميلة التي تنبض على إيقاع مألوف، ليتغيّر كل شيء في ثوان عديدة. "لامس موراكامي برقة لا نهائية الخلل الداخلي الموجود في كل كائن، مبرزا شرائح الحياة الغامضة لكل فرد، واندلاع شعلة التشبث بالحياة من كل ذلك الخراب في شكل غريب".

"الزلازل" في الأدب... روايات تستمدّ حوادثها من وقع المأساة  (النهار العربي، 09/02/2023) تؤرق حكايا الكوارث الطبيعية، وصورها المثقلة بالموت والدمار، أرواح كل من عايشها. تنشب أظافرها في ذاكرتنا الفردية والجماعية، لتترك مكاناً مزمناً لها، منه قد تنسلّ إلى مخيلتنا، تظللها حيناً ولربما تشحذها أحياناً أخرى.

ولأنّ الأدب وليد واقعنا وخيالنا معاً، اختار روائيون حدثاً كارثياً جللاً ليكون بمثابة العمود الفقري لنتاجهم الأدبي، يبنون حوله سرداً درامياً للمأساة قد يحاكي مخاوفنا وطرق تعافينا منها، أو حتى تعاطينا مع ارتدادات الحدث وآثاره على المدى البعيد.

فعلياً، تكاد لا تحصى الروايات والنصوص الأدبية التي كانت مسرحاً لإعادة توثيق الكوارث الطبيعية أو تخيلها. وللزلازل نصيب منها. الكاتبة التركية أليف شافاك، على سبيل المثل، تستعيد في نص حمل عنوان "صيف في المدينة"، تفاصيل حقيقية لليلة كارثية حلت على اسطنبول عام 1999، "كانت ذروة الصيف في اسطنبول، مزيجاً من الحرارة والرطوبة، خانقاً جداً، حتى أننا أصبحنا جميعاً عرضة للأرق: القطط في الشوارع، والناس في منازلهم، وطيور النورس تطفو على سطوح المنازل".

تضيف: "في الليلة نفسها، لفحنا نسيم عذب كما لو أنه هدية غير متوقعة من السماء. أخيراً تمكنّا من النوم، القطط والبشر وطيور النورس. ولكن في تمام الساعة الثالثة صباحاً، بدأت. هزة في البداية، ثم قعقعة مروعة تتصاعد من باطن الأرض، ليحدث الزلزال (...) قضينا تلك الليلة في الشوارع، نستمع إلى الراديو ونحاول فهم حجم الكارثة. لم نكن نعرف آنذاك أن أكثر من 17000 شخص قد لقوا حتفهم في تلك الثواني القليلة، وأن ما يصل إلى 50 ألفاً قد أصيبوا".

تستمر شافاك في توثيق مشاعرها في خضم الكارثة، لكن الأكيد أنها لا تتحدث عن حالها فقط، "لن أنسى أبداً صيف 1999 في اسطنبول. المعاناة الإنسانية الهائلة. مشاعر التعاضد والصداقة غير المتوقعة في مواجهة الموت والدمار. استغرق الأمر بضعة أيام فقط للعودة إلى "الوضع الطبيعي"، العودة إلى طرقنا القديمة وتحيزاتنا، واستمرت المدينة في النمو والنمو كأنها لم تتعلم شيئاً".

كذلك، يبرز الزلزال كمحرك رمزي وحسي في رواية أخرى بعنوان "في حالة الطوارئ"، للكاتبة الإيرانية مهسا محب علي، تروي فيها الأخيرة تداعيات زلزال ضرب طهران حسبما عايشته بطلة روايتها. تستيقظ شادية، الشابة المدمنة على الأفيون، على اهتزاز سريرها بقوة. لا تدري ما إذا كان الارتعاش بداخلها فسيولوجياً أم أنه جيولوجي، أو لعله كلاهما. تقوم بوصف دقيق لكل ما ومن حولها. في المنزل، عائلتها مفككة: أمها تبكي بحرقة أثناء التسبيح والصلاة، بينما يحاول شقيقها إيجاد سيارة لنقل العائلة إلى مكان آمن. فيما اختفت جدتها المسنة فجأة، ولم تنفع محاولات الاتصال بوالدها الغائب كالعادة. تغلق شادية عينيها وتمتص بشدة الأفيون المتبقي في مخبئها السري. لا يمضي وقت طويل قبل أن تغافل الفتاة عائلتها لتخرج إلى الشارع متنكرة بزي رجل.

هناك، وإثر سلسلة من الزلازل المروعة وارتداداتها، تشهد شادية الضرر الذي أحدثته الكارثة الطبيعية التي حلت من دون سابق إنذار. تراقب محاولات السكان الفرار من المدينة، فيما حركة المرور غير المسبوقة تعيق الطرق. تتعالى الصرخات وتندلع المعارك الكلامية، كل على أعصابه. تنطفئ خدمة الهاتف ويتحرك الجميع بخوف. تشاهد مجموعة نساء قرب صراف آلي وهن يتناوبن على سحب المال استعداداً  للمجهول بعيداً من بيوتهن ومدينتهن، بينما يدخل أطفالهن في نوبة بكاء.

تستحوذ الشابة على المدينة وكأنها ملك لها. تلتقط أصواتها كاملة، وتقول "ألصق أذنك بالأرض واستمع مثلي. استمع إلى الشوارع تتحدث. أستطيع سماع تصدع الرصيف وهو يفرقع ويتمطى، كما لو أنه يطقطق مفاصل أصابعه بعد يوم طويل".

وفيما نقلت الكاتبة بدقة الهلع الجماعي عند حلول الكارثة، لا يخفى على أحد البعد السياسي للرواية، واستخدام الزلزال كرمز للتبدلات التي طرأت على الساحة الإيرانية إثر الثورة الشبابية الأخيرة.

عن الزلازل في الأدب أيضاً يبرز "رومبو"، وهو عنوان إحدى روايات الكاتبة الألمانية إستر كينسكي، ومعناه ذلك "الصوت الجوفي الغريب" الذي يحدث عند وقوع زلزال.

 على أرض الواقع، سمع سكان فريولي في شمال شرق إيطاليا هذا الصوت المدوّي للمرة الأولى في 6 مايو 1976، قبل أن يتسبب زلزال كارثي في مقتل ألف شخص وتشريد عشرات الآلاف.

في كتابها، توثق كينسكي الصدمة الجماعية التي خلّفها الزلزال،  معتمدة مزيجاً مميزاً من الحقيقة والخيال. على لسان أبطال روايتها السبعة تصف الزلزال بأنه "ندبة لن تختفي أبداً. وكما طبع نفسه في ذاكرة مجتمعنا، سيظل محفوراً في التضاريس المضطربة في المنطقة. الزلزال في كل مكان. ربما توقفت الاهتزازات، لكننا لا نزال نسمع صوت الرومبو".

من خلال الجمع بين التاريخ الشفوي المتناقل عبر شهود عيان، والوصف الطبوغرافي المرصود باهتمام، تهتم الرواية أساساً بإحاطة الحدث المأسوي من جوانبه كافة، ونقل الحوادث التي تلت الزلزال وكيفية التعاطي مع كارثة طبيعية بهذا الحجم.

نسمع قصص أبطالها كما لو أنها تأتي مضطربة ومباشرة من أفواههم. تفصل شهاداتهم، وأماكن وجودهم، وكيفية تعاطيهم مع تداعيات الزلزال. يتذكر "أنسيلمو" مثلاً النوم في السيارة مع أطفاله تلك الليلة بعدما تدمر منزله بالكامل، بينما تتحدث "أولغا" عن رعبها الليلي المستمر بحيث لا تزال تستيقظ فجأة وطعم الغبار في فمها، كما حدث ليلة الزلزال.

كذلك، في رواية كينسكي، نجد أن الأرض تتحدث إلينا. النهر يصف ما جرى، والجداول تكتب عن نفسها أثناء عبورها الأودية بسرعة. تقوم الكاتبة ببراعة بتحريك العالم الطبيعي من حولها بخبرة. في بعض الفصول، تخفي يدها البشرية، تاركة السرد للشجيرات المحترقة والأحجار المتناثرة والصخور المتحركة لتتحدث عن هول الكارثة الطبيعية التي ألمّت بالجميع.

أما رواية "زلزال في تشيلي" للكاتب هينريش فون كليست، فتجري حوادثها خلال زلزال سانتياغو عام 1647. يوثق فيها الكاتب معاناة شاب فقير وفتاة غنية رفض المجتمع علاقتهما، وحكم عليهما بالموت عندما أنجبت الفتاة طفلاً غير شرعي. الزلزال هذه المرة، جاء لينقذ الحبيبين من موت محتم، فتمكن الشاب من الفرار من السجن وعاد ليجتمع مع فتاته وابنهما، قبل أن تعود الرواية لتنتهي نهاية مأسوية.

في إحدى صفحاته، يروي الكاتب على لسان بطل روايته شعوره إثر الزلزال: "فقط عندما استدار ورأى المدينة تتهاوى على الأرض خلفه، تذكر اللحظات المرعبة التي مر بها للتو. أحنى جبهته إلى الأرض وشكر الله على هروبه الذي يشبه المعجزة. كما لو أن هذه الذكرى المروعة، التي ستطبع نفسها في عقله للأبد، قد محت كل الذكريات الأخرى. بكى بنشوة عندما وجد أنه لا يزال يتمتع بنعمة الحياة، بكل ثروتها وتنوعها".

زلزال لشبونة يشعل معركة فلسفية كبرى بين فولتير وروسو  ( الشرق الأوسط، 12/02/2023 )  في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1755، ضرب زلزال هائل مدينة لشبونة البرتغالية أدى إلى إسقاط المدينة خائرة على عروشها، وإيقاع مائة ألف ضحية على الأقل. لقد هز هذا الزلزال كل العقول المثقفة في أوروبا آنذاك. لقد صدمهم، أذهلهم، دوخهم. ولكن نظراً لعدم وجود وسائل تواصل سريع في ذلك الزمان فإن فولتير، المقيم في جنيف، لم يسمع به إلا يوم 24 نوفمبر؛ أي بعد أكثر من 20 يوماً على حصوله. لم يكن هناك تليفون ولا راديو ولا تلفزيون ولا إنترنت، وإلا لسمع به على الفور في اللحظة التي حصل فيها. وهنا يكمن الفرق الأساسي بين عصر فولتير في القرن الثامن عشر، وعصرنا نحن في القرن الحادي والعشرين. كم نحن محظوظون! كم نحن سعداء! نحن أباطرة دون أن ندري! كل واحد منا فرعون صغير يتربع على عرشه ويتفلسف على البشرية من خلال شبكات التواصل الاجتماعي. ومع ذلك فإننا نتشاكى ونتباكى. هل كان فولتير يستطيع أن يتخيل حجم التقدم الهائل الذي سيحصل بعد موته، وهو الذي فعل كل شيء من أجل هذا التقدم؟ نعم إلى حد ما. كان يقول دائماً: نحن نزرع والأجيال المقبلة تحصد. نحن لن نرى بأم أعيننا ثمرات جهودنا وتعبنا وعرق جبيننا. نحن سنموت في ظل الظلامية الدينية والخرافات والشعوذات ولن نرى أول خيوط الفجر. ولكن ما هم! المهم أن ينتصر التنوير، وأن تستمتع به الأجيال المقبلة. التقدم سوف يحصل حتماً، وسوف يشع بأنواره على كل أوروبا، وربما على البشرية بأسرها. وهذا ما حصل بالفعل بعد موته وموت جيله التنويري العظيم كله.

لكن لنعد إلى موضوعنا الأساسي. ماذا فعل زعيم الأنوار الفرنسية عندما سمع بالخبر الصاعق؟ يقال إنه دخل في حالة من الهم والغم لا توصف، وراح يتخيل آلام الضحايا وصرخات المفجوعين من تحت الأنقاض. وجن جنونه! راح يطلق صرخات الغضب في كل الاتجاهات حتى وصل إلى العناية الإلهية ذاتها. أستغفر الله! لماذا كل هذا العذاب يا رب؟ لماذا كل هذه الآلام والفواجع؟ لماذا كل هذا الشر في العالم؟ لماذا لم تمنعه بما أنك قادر على كل شيء؟ ثم تراجع قليلاً واعتذر لأنه مؤمن بالله ولا يمكن أن يكفر به مهما حصل. وعندئذ أصدر «قصيدة برشلونة» التي يطرح فيها كل هذه التساؤلات الفلسفية والميتافيزيقية. وراح يصب جام غضبه على الفيلسوف الألماني الكبير لايبنتز؛ لأنه قال إن الله خلق العالم على أحسن تقويم، وإنه أفضل العوالم الممكنة، وإنه مهما حصل ويحصل لا يحق لنا أن نشتكي على الإطلاق؛ لأنه ما كان بالإمكان أفضل مما كان. وهذه هي الفلسفة التفاؤلية التي أشاعها المفكر الألماني العظيم في الأوساط المثقفة الأوروبية، بدءاً من القرن السابع عشر. انظر كتابه الشهير الصادر عام 1710 بعنوان طويل هو: «مقالات عن علم الربوبية الخاصة بالطيبة الإلهية والحرية البشرية وأصل الشر». لقد سخر فولتير من هذا الكتاب وتصوراته عن العالم في قصيدة برشلونة هذه، واعتبر أن لايبنتز شخص «مغفل»، في حين أنه يوجد شبه إجماع على أنه آخر «العمالقة والعباقرة الكونيين». فهل يعقل أن يكون فيلسوف الألمان مغفلاً أو ساذجاً إلى مثل هذا الحد؟ ا

السؤال الفلسفي الميتافيزيقي الذي طرحه لايبنتز هو التالي: كيف يمكن أن نوفق بين شيئين متناقضين ظاهرياً؟ المقصود: كيف يمكن أن نوفق بين وجود إله طيب ومهيمن وعادل وجبار من جهة، ووجود الشر والمصائب والكوارث الطبيعية من جهة أخرى؟ جواب لايبنتز هو أن العالم كما نعرفه هو أفضل العوالم الممكنة. ولا يمكن أن يوجد عالم آخر أفضل منه، رغم كل الشرور التي قد تحصل فيه؛ وذلك لأن هذه الشرور قد تكون مقدمة ضرورية لخير أعظم يعوض عنها لاحقاً ويغطي عليها. «وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم» صدق الله العظيم. ثم يقول لنا لايبنتز هذا الكلام الجوهري: الألم والقلق والمشاكل هي «ملح العالم» إذا جاز التعبير. ما معنى عالم من دون مشاكل وهموم وتحديات؟ على قدر أهل العزم تأتي العزائم! ما معنى حياة كلها سهولة وسعادة وسرور وحبور على طول الخط؟ كم هي مملة؟ لا تعرف طعم الحلو إن لم تذق طعم المر! ما أجمل لحظات السعادة عندما تجيء بعد لحظات التعاسة والقلق والهم. ما أجمل اللقاء بعد الفراق. وبالتالي فالشر والألم والقلق هي شروط إجبارية لتحقق الخير، إنها وسائل للتوصل إلى اكتمالٍ أعظم لاحقاً.

لقد سخر فولتير من أطروحة لايبنتز وتهكم بها، بل شوّهها قليلاً أو كثيراً عندما قال ما معناه: «كل شيء على ما يرام في أفضل العوالم يا جماعة! افرحوا يا ناس بزلزال لشبونة وموت الأطفال والأمهات! افرحوا بالأنقاض والحطام على مد النظر! فعلاً إنكم أغبياء يا بشر! لماذا لا تحمدون الله على كل هذه النعمة؟ إلخ». هل زادها فولتير «شوية» هنا؟ حتماً زادها. لايبنتز لم يقل ذلك. لايبنتز لم يقل بأن العالم «كامل»، وإنما قال إنه أفضل العوالم الممكنة، وإن الشر مقلّص فيه إلى أقصى حد ممكن. وإلا لكان زلزال لشبونة قد حصل كل يوم أو كل شهر. هذا هو شر العوالم الممكنة فعلاً. وبالتالي فزلزال لشبونة هو استثناء لا يتكرر، وبالفعل لم يتكرر في هذه المدينة منذ عام 1755 وحتى اليوم؛ أي منذ 267 سنة على الأقل.
لكن بعد كل هذه الديباجات والتعريجات والتخريجات، ما علاقة جان جاك روسو بالموضوع؟ لماذا حشرناه هنا، بل حتى في العنوان؟ علاقته أكثر من علاقة؛ وذلك لأن فيلسوف جنيف سوف يفحم فولتير ويقدم تفسيراً آخر لكارثة لشبونة، ولوجود الشر المستطير في العالم، وسوف يكون جوابه أقرب إلى فكر لايبنتز، ولكنه سيتجاوزه أيضاً. إنه تفسير فلسفي من أعمق ما يكون. وقد عبر عن ذلك أقوى تعبير عندما أصدر رسالته الشهيرة عن «العناية الإلهية». كل شيء يحصل كما لو أن جان جاك روسو أراد أن يقول لفولتير: عيبٌ عليك! كفّ عن هذه النزعات الصبيانية! في كل مرة يحدث فيها حادث ما تتهمون الله والقدرة الإلهية وتنسون أنفسكم. المسؤولية تقع على البشر لا على الله جل جلاله يا سيد فولتير. هذه اتهامات سهلة لا تليق بمفكر كبير مثلك. أحياناً نسمع الأمهات وهن يصرخن ثكلى مفجوعات رافعات رؤوسهن نحو السماء: يا رب لماذا مات طفلي؟ لماذا أخذته؟ وهن معذورات. ونحن ننحني أمام صرخات الأمهات. والجنة تحت أقدام الأمهات. ولكن فولتير كمفكر كبير غير معذور. المفكر الكبير يرى إلى أبعد من أنفه أو يفترض ذلك. ثم يضيف روسو: العناية الإلهية التي هي كلها خير وعدل وبركة وحكمة ليست مسؤولة إطلاقاً عما حصل. البشر هم وحدهم المسؤولون. لو أنهم بنوا بيوتهم بشكل متفرق ومتباعد على مساحات واسعة محيطة بالعاصمة البرتغالية بدلاً من بنائها متكدسة بعضها فوق بعض لكانت الخسائر أقل بكثير. وثانياً لو أن أهالي لشبونة غادروا منازلهم على الفور ما إن ابتدأت جدران منازلهم تهتز، بدلاً من أن يحاولوا حمل ثيابهم وحوائجهم والبحث عن فلوسهم وذهبهم... إلخ، لخفت الخسائر كثيراً أيضاً، ولربما انعدمت في نهاية المطاف.
نلاحظ أن محاجّة روسو قيّمة، ولكن كان يصعب تحقيقها في ذلك الزمان؛ لأن العلم التكنولوجي لم يكن قد تقدم كثيراً كما في عصرنا. فمثلاً اليابان المشهورة بالزلازل ما عادت تخشاها؛ لأنها بنت البنايات بطريقة معينة تجعلها قادرة على مقاومة الهزات الأرضية بكل فاعلية. ثم علّمت الشعب كيفية التصرف لحظة حصولها. واستبطن اليابانيون ذلك في سلوكهم اليومي. ويقال إنه في عام 2011 حصل زلزال هائل في اليابان بقوة 9 ريختر، ومع ذلك لم تتأثر البلاد به، ولم تتساقط ناطحات السحاب، بل لم يتوقف 27 قطاراً فائق السرعة، وسارت الأمور وكأن شيئاً لم يكن. من يصدق ذلك؟ هنا تكمن معجزة الحداثة. وهذا ما عناه جان جاك روسو ضمنياً. ولكن منطقتنا، بما فيها تركيا وسوريا، ليست متقدمة ولا غنية كبلد كبير وجبار كاليابان. ولا تستطيع أن تضخ مئات المليارات من الدولارات في بناء المساكن المضادة للزلازل.

3. أبرز الهزات الأرضية التي شهدتها الدول العربية

اهتزت بهم الأرض في شهر رمضان.. الزلزال المدمر الذي ضرب الشام وأوقف حروب المسلمين والصليبيين (عربي بوست، 12/02/2023) أطلق بعض من المُؤرِّخين العرب المُعاصرين على الفترة المُمتدَّة بين 550 و557هـ/ 1155-1162م، تسمية "سنوات القلق"؛ نظراً لما طرأ فيها من مُشكلات وكوارث بحياة أهل الشَّام، والأناضول تحديداً. أبرز ما حلَّ خلال هذه الفترة من مصائب، وشغل المسلمين والصليبيين عن الحرب، كان سلسلة من الزلازل العنيفة (بلغت قُرابة أربعين زلزالاً)، التي ضربت الديار الشَّاميَّة وأهلكت الآلاف ودمَّرت الكثير من البلاد ما بين 551 و553هـ/ 1156-1158م، وكانت ذُروتها سنة 552هـ، الموافقة لسنة 1157م، فيما عُرف بـ"زلزال حماة".

يذكر ابن القلانسي، الذي شهد هذه الكوارث، أنَّ بداية الزلازل كانت ليلة الخميس، 9 شعبان 551هـ، المُوافق 27 سبتمبر 1156م، وفيه وقعت زلزلة عظيمة، رجفت بها الأرض ثلاث مرات أو أربع مرات، أي لحقتها ثلاث هزَّات ارتداديَّة على الأقل. ثُمَّ وافاها في ليلة الأربعاء، 22 شعبان 551هـ، المُوافق 10 أكتوبر 1156م، زلزلةٌ شديدة، ثُمَّ تبعها زلزال آخر، ثُمَّ جاءت "ثلاثٌ دونهنَّ"، أي ثلاث هزَّات ارتداديَّة كما يُفهم، وبعد يومين، أي السبت 25 شعبان، المُوافق 12 أكتوبر، وقعت زلزلة عنيفة جداً، يقول ابن القلانسي: "ارتاع الناس منها في أول النهار وآخره، ثُمَّ سكنت بقُدرة مُحرِّكها سُبحانهُ وتعالى".

وكانت حلب وحماة ونواحي الشَّام الشمالية الأكثر تضرُّراً بهذه الزلازل، فانهدمت مواضع كثيرة فيها، منها برجٌ من أبراج مدينة أفامية التاريخيَّة. ثم تتابعت الزلازل، وازدادت شدَّةً وعُنفاً، ففي يوم الأربعاء، 29 شعبان 551هـ، المُوافق 17 أكتوبر 1156م، وقعت زلزلة في آخر النهار، تبعتها أُخرى في الليل. وفي يوم الإثنين 1 رمضان، المُوافق 18 أكتوبر 1156م، وقعت "زلزلة مُروَّعة للقلوب وعاودت ثانيةً وثالثةً، ثُمَّ وافى بعد ذلك في يوم الثلاثاء ثلاثة زلازل، إحداها في أوَّله هائلة، والثانية والثالثة دون الأولى، وأُخرى في وقت الظهر مُشاكلة لها، ووافى بعد ذلك أخرى هائلة أيقظت النيام، وروَّعت القُلُوب مع انتصاف الليل، فسبحان القادر على ذلك". 

وما إن انتصف شهر رمضان حتَّى ضرب البلاد زلزالٌ عظيم جديد، ثُمَّ توقفت الزلازل حتى دخل شهر شوَّال، ففي يوم الأحد الثاني من الشهر المذكور، الموافق 18 نوفمبر، "وافت زلزلة أعظم ممَّا تقدَّم روَّعت الناس وأزعجتهم، وفي يوم الخميس سابع شوَّال المذكور وافت زلزلة هائلة في وقت صلاة الغداة، وفي يوم الإثنين تلوه وافت زلزلة أُخرى مثلها، ثُمَّ أُخرى بعدها دونها، ثُمَّ ثالثة، ثُمَّ رابعة. وفي ليلة الأحد الثاني والعشرين من شوَّال وافت زلزلة عظيمة روَّعت النُفُوس، ثُمَّ وافى عقيب ذاك ما أُهمل لكثرته…". ويذكر ابن القلانسي أنه لا أبنية تهدَّمت في دمشق وضواحيها، على عكس حلب وشيزر، التي كثُر فيها الخراب والدمار، وقُتل كثيرٌ من أهلها، وأما سكان كفرطاب وحماة فهجروهما خوفاً على حياتهم.

تجدَّدت الزلازل ابتداءً من شهر صفر سنة 552هـ، المُوافق لشهر أبريل سنة 1157م، واستمرت مُتقطِّعةً حتَّى شهر ذي القعدة، المُوافق لشهر ديسمبر، وتعرَّض وادي نهر العاصي لزلزلة تبلغ من العنف الغاية، وعَظُم الضرر في حماة حتى سمَّى المؤرخون الزلزال "زلزال حماة". وتضررت دمشق هذه المرة، فهرب الناس من بيوتهم وسكنوا البراري لفترة، وهُدم أغلب ما أُعيد بناؤه في حلب وحماة والبلاد الشماليَّة، وانهارت آثارٌ قديمة عديدة، وسقطت قلعة شيزر على رؤوس مَن فيها من أُمراء بني مُنقذ، ولم ينجُ منهم إلَّا الأمير الأديب، والفارس المُجاهد أُسامة بن مُنقذ، الذي كان حينها في دمشق. وطالت أضرار الزلزال كُلاً من حمص وسلميَّة ومعرَّة النُّعمان وطرابُلس الشَّام وجُبيل وبيروت وصُور.

يقول ابن القلانسي في وصف هول الكارثة، والرُّعب الذي أحدثته في النفوس: "ووردت الأخبار من ناحية الشمال بما يسوء سماعه، ويُرعب النُفُوس ذكره، بحيث انهدمت حماة وقلعتها وسائر دورها ومنازلها على أهلها من الشيوخ والشُّبان والأطفال والنسوان، وهُم العدد الكثير، والجمّ الغفير، بحيث لم يسلم منهم إلَّا القليل اليسير.

وأمَّا شيزر فإنَّ ربضها سلم إلَّا ما كان خرب أولاً، وأمَّا حصنها المذكور فإنَّهُ انهدم على واليها تاج الدولة بن أبي العساكر بن مُنقذ، رحمه الله، ومن تبعه، إلَّا اليسير ممَّن كان خارجاً. وأمَّا حمص فإنَّ أهلها كانوا قد أُجفلوا منها إلى ظاهرها وسلموا، وتلفت مساكنهم، وتلفت قلعتها، وأمَّا حلب فهُدمت بعض دورها وخرج أهلها، وأمَّا ما بعُد عنها من الحُصُون والمعاقل إلى جبلة وجُبيل فأثَّرت فيها. وأُتلفت سلميَّة وما اتَّصلت بها إلى ناحية الرحبة وما جاورها، ولو لم تُدرك العباد والبلاد رحمة الله تعالى ولُطفه ورحمته ورأفته، لكان الخطب الأخير، والأمر الفظيع المُزعج…".

دمّرت مدناً بأكملها وضحاياها عشرات الآلاف.. “أقوى الزلازل” التي ضربت منطقة المغرب العربي (عربي بوست، 09/02/2023) تحدث الزلازل نتيجة لحركة الصفائح التكتونية للأرض، وهذه الحركة إما أن تكون متباعدة عن بعضها أو مصطدمة مع بعضها أو منزلقة عبر حدودها، ويتم تحديد قوة الزلزال حسب القوة التي تحركت بها الصفائح التكتونية، وتعرف النقطة التي تحدث فيها هذه الحركة بالبؤرة الزلزالية.

في حالة المنطقة المغاربية، ورغم أنّ بعض الدول في المغرب العربي تصنّف على أنها مناطق معتدلة في النشاط الزلزالي، مع ذلك، المنطقة عرضة للتعرض إلى الزلازل المدمّرة نتيجة تقارب يحدث بين القارتين الإفريقية والأوروبية، خصوصاً الجزائر والمغرب اللتين شهدتا زلازل عنيفة في تاريخهما.

وتقع الجزائر والمغرب في منطقة توافق التقاء الصفيحة التكتونية الأورو آسيوية والصفيحة التكتونية الإفريقية، ما يجعلهما أكثر تعرضاً للزلازل.

بالنسبة إلى تونس وليبيا وموريتانيا، فغالباً لا تتعدى الهزات الأرضية التي تحدث في هذه الدول مستوى 5.5 على مقياس ريختر، وذلك بسبب وقوع هذه الدول داخل الصفحات التكتونية الإفريقية.

وفيما يلي أبرز الزلازل التي ضربت منطقة المغرب العربي في تاريخها.

 كان المغرب منذ الفترات القديمة منطقةً غير مستقرة زلزالياً، بحيث حدثت العديد من الأنشطة الزلزالية في تاريخ المغرب، منها ما كان عنيفاً وقتل الآلاف، ولعلّ  أبرز الزلازل القوية التي ضربت المغرب ما يلي:

زلزال جبل طارق سنة 818 : كان الزلزال الذي وقع في 28 مايو/أيار 818م، والذي ضرب ضفتي مضيق جبل طارق بين شمال المغرب وجنوب إسبانيا، هو أوّل زلزال يرصد في المصادر التاريخية بالمغرب. تسبب هذا الزلزال في تدمير الأبراج والمنارات الواقعة في شمال المغرب، فيما لقي العديد من الأشخاص مصرعهم تحت الأنقاض.

زلزال 1522 : في سبتمبر/أيلول من عام 1522م ضرب زلزال عنيف المغرب، وتسبب في خسائر بمدينة تطوان، ودمار مدينة فاس.

زلزال لشبونة العظيم : في نوفمبر/تشرين الثاني 1755، شهد العالم واحداً من أعنف الزلازل في التاريخ، وذلك بعد أن ضرب مدينة لشبونة البرتغالية زلزالٌ مدمر بلغ 9 درجات بمقياس ريختر.

وصلت قوة هذا الزلزال إلى السواحل المغربية التي تأثرت بحجم هذه الكارثة، خصوصاً مدينة طنجة التي تدمرت بشكلٍ كبيرٍ بوقع الزلزال الذي خلّف مقتل 10 آلاف شخص في المغرب فقط.

زلزال أكادير الكبير : في 29 من يناير/كانون الثاني 1909، دمر زلزال عنيف فاق 7 درجات مدينة تطوان المغربية، مخلفاً مقتل 100 شخص وتدمير المدينة المغربية.

زلزال أكادير الكبير : في 29 من فبراير/شباط 1960، شهدت مدينة أكادير المغربية، زلزالاً دمر المدينة بأكملها وحولها إلى ركام.

وعلى الرغم من أن الهزة الأرضية كانت متوسطة إذ بلغت 5.7 درجة على مقياس ريختر، إلا أنها خلفت حوالي 15 ألف قتيل، ما يمثل ثلث عدد سكان مدينة أكادير في ذلك الوقت وعلاوة على الخسائر الكبيرة في الأرواح، فإن الزلزال أدّى إلى جرح 12 ألف شخص، وتشريد ما لا يقل عن 35 ألفاً آخرين. وبهذا يعتبر "زلزال أكادير" الأعنف في تاريخ المغرب.

زلزال الحسيمة سنة 2004 : في 24 فبراير/شباط 2004، اهتزت مدينة الحسيمة على وقع زلزال قوي بلغت قوته 6.5 درجة على مقياس ريختر، مخلفاً أكثر من 628 قتيلاً و926 جريحاً وأكثر من 15230 متضرراً.

زلازل مدمّرة ضربت الجزائر

كانت الجزائر عرضةً للعديد من الزلازل المدمرة عبر التاريخ، راح ضحيتها الآلاف من الأشخاص، إذ تشير التقديرات إلى أنّ الجزائر شهدت 22 زلزالاً مدمراً في تاريخها، أبرز هذه الزلازل: 

زلزال الجزائر 1716 : يعدّ هذا الزلزال الأعنف في تاريخ الجزائر، ووقع في 3 فبراير/شباط عام 1716، وبلغت شدته 7.8 درجة على مقياس ريختر، وكان مركزه الجزائر العاصمة. تسبب هذا الزلزال القوي في مقتل أكثر من 20 ألف شخص، كما دمّر مدينة القصبة التاريخية.

زلزال وهران 1790 : في 9 أكتوبر/تشرين الأوّل 1790، تعرضت مدينة وهران الواقعة في أقصى الغرب الجزائري إلى زلزال عنيف خلف أكثر من 3 آلاف قتيل، ودمّر ثلثي المدينة، بما فيها عدد كبيرٌ من المنشآت التاريخية والأثرية خلال تلك الفترة.

زلزال الأصنام 1954 : في 9 سبتمبر/أيلول سنة 1954، ضرب زلزالٌ بلغت شدته 6.5 درجة على مقياس ريختر مدينة الأصنام الجزائرية التي صارت تعرف اليوم باسم مدينة الشلف، وخلّف هذا الزلزال مقتل 1234 شخصاً وإصابة الآلاف وتدمير نحو 20 ألف مسكن، وحوّل هذا الزلزال المدينة إلى كومة من الحطام. كما تأثرت عدة مناطق أخرى من هذا الزلزال، أبرزها مدينة شرشال الأثرية.

زلزال بجاية 1960 : بعد 4 سنوات من زلزال الأصنام، تعرضت مدينة بجاية في الشرق الجزائري إلى هزة أرضية عنيفة في 12 فبراير/شباط 1960، بلغت شدتها 5.6 على مقياس ريختر، وبلغ عدد ضحايا هذا الزلزال 264 قتيلاً، وتحطم ألف مسكن.

زلزال الأصنام الثاني : في 10 ديسمبر/كانون الأول 1980، وقع الزلزال المروّع والأشهر في تاريخ الجزائر الحديث، والذي أصاب مدينة الأصنام مرّة ثانية بعد الزلزال الذي وقع بها سنة 1954، بسبب هذا الزلزال قامت السلطات الجزائرية بتحويل اسم المدينة من مدينة الأصنام إلى مدينة الشلف. تسبب هذا الزلزال في تدمير المدينة، وتوفي نحو 2633 شخصاً، وجرح 8369، وفقد 348، وشرد أكثر من 6 ملايين، وتحطمت 70% من مساكن المدينة. كما تصدعت مدينة شرشال الأثرية المجاورة، والتي يعود تاريخها إلى العهد الروماني بشكلٍ كبير.

زلزال بومرداس 2003،  في 22 مايو/أيار ، ضرب زلزال عنيف بلغت شدته 6.7 على مقياس ريختر مدينة بومرداس والضواحي الشرقية لمدينة الجزائر العاصمة، ليتسبب في مقتل أكثر من 2000 شخص، كما ناهز عدد الجرحى 8 آلاف.

200  زلزال في القرن العشرين.. ما هي أبرز الهزات الأرضية التي شهدتها الدول العربية (يورونيوز، 07/02/2023) عرف الشرق الأوسط بين 1900 و2014 زلازل بلغ عددها 200 هزة ترواحت بين الخفيفة والقوية، وراح ضحيتها آلاف القتلى والجرحى.

نقدم نظرة سريعة في تاريخ أعنف الزلازل في المنطقة في المئة سنة الأخيرة من حيث عدد الضحايا ليتبيّن أن الحروب ليست وحدها ما قتل الإنسان في العالم العربي.

فلسطين زلزال نابلس الذي يعرف أيضًا باسم بزلزال أريحا، كان أحد أشد الزلازل تدميرًا، حيث ضرب وسط فلسطين والأردن في 11 تموز/ يوليو من عام 1927 لمدة 15 ثانية، وكان مركزُه غور الأردن.

قُدّرت شدته بـ6.2 درجات على مقياس ريختر، وقتل نحو 500 شخص، مئة منهم تقريبا في الأردن كما أصاب نحو 923 آخرين بجراح. وكانت مدن نابلس والسلط والقدس وأريحا الأشد تأثرًا به، إذ دُمّر بالكامل ما لا يقل عن 600 مبنى. وقد شعر به سكان سوريا ولبنان والقاهرة.

الجزائر في التاسع من أيلول/ سبتمبر 1954، ضرب زلزال بقوة 6.8 درجات ولاية الأصنام المطلة على المتوسط في شمال الجزائر (والتي تحوّل اسمها بعد ذلك إلى الشلف)، ليقتل 1250 شخصًا ويصيب حوالي 3000 آخرين.

مصر وقع زلزال في مدينة شرم الشيخ في 31 آذار/ مارس عام 1969 قبالة السواحل الجنوبية لشبه جزيرة سيناء في شمال شرق مصر، بلغت قوته 7 درجات، وكان مسؤولًا عن وفاة 82 شخصًا.

لكن الزلزال الأقوى، والذي لا يمكن للمصريين نسيانُه، فكان عام 1992، إذ أنه ضرب العاصمة القاهرة والجيزة، وبلغت قوته 5.6 درجات بمقياس ريختر، واستغرق مدة دقيقتين ونصف، وأسفر عن مقتل حوالي 500 شخص، وإصابة وتشريد آلاف الأشخاص وتدمير البنى التحتية والمدارس.

المغرب هز مدينة أكادير المغربية عام 1960 زلزالٌ مدمر بلغت قوته 5.7 درجات، وقتل حوالي 15000 شخص وجرح 12000 آخرين، وترك مالا يقل عن 35000 شخص بلا مأوى.

اليمن ضرب زلزال شمالي اليمن بالقرب من مدينة ذمار عام 1982، وبلغت قوته 6.0 درجة على مقياس ريختر، وتسبب بمقتل 2800 شخص وإصابة 1500 آخرين، وتدمير حوالي 300 قرية يمنية وتشريد 700 ألف شخص.

ليبيا تعرضت مدينة المرج القديمة في ليبيا إلى زلزال بقوة 5.3 درجة في عام 1963، أسفر عن مقتل حوالي 240 شخصًا وتدمير مبان وممتلكات.

لبنان في عام 1956 ضربت ثلاث هزات أرضية تفصل بينهما دقائق بلدة شحيم في قضاء الشوف، وأسفرت عن قتل 134 شخصًا وجرح 102، إضافة لتهديم ستة آلاف منزل.

   الأردنوقع زلزال العقبة يوم 22 تشرين الثاني/ أكتوبر 1995 في خليج العقبة وأدى إلى وفاة 8 أشخاص. بلغت قوته 7.3 درجة على مقياس ريختر وأثّر على مصر والأردن وفلسطين والمملكة العربية  السعودية، كما شعر به سكان لبنان وسوريا وجزيرة قبرص.

 4. ما بعد الزلزال

هل نحتاج لزلزالٍ روحيّ؟ (القدس العربي، 19/02/2023) علينا بشكل دائم أن نكون مستعدين لاكتشاف أننا قد أخطأنا (كارل بوبر) ها قد أخطأت الأرض بحقّنا حين انهارت وانهدمت فحَرَمت، هل كان متوقّعاً منها أن تفعل كل هذا الشر من أجلِ انزياحٍ صغير!
إلهي، لماذا تخليت عني!
لماذا سلبتَنا طمأنينتنا تجاه بيوتنا فحسدنا الطيور على أجنحتها، السقف الذي تحول إلى مصدر خوف كان يجدر به حمايتنا. من أذِن له باحتضاننا بهذا العنف الذي كسَّر أضلاعنا!
يقول أحدهم: (لم يعرف تاريخ الأرض أيّ سكينة)
نحن أيضاً لم نعرف معنى الطمأنينة، الطفولة بالنسبة لنا انهيارٌ آمال فرديٌة وسط عائلة أكبر تمنحنا بدل الرعاية الحرمان وجبالاً من الوهم، المراهقة تعني لنا التمييز الجندريّ، قتل النساء، إجبار اللاجنسي بيننا على الزواج (لأن الزواج سترة) واللاإنجابي على الإنجاب (لأن الإنجاب امتداد) والموهبة المتوقدة على مداراة ثرثار عجوز، والموظف على احتمال مديره السيكوباثي.
(نحن الذين تضرّرنا منذ الأزل)
حين جلسنا بأقدام مشققة نستمع لمن يخوفوننا حتى من الله ذاته، عملنا وهمي، زواجنا وهمي، نبيع الوهم ونشتريه بحقوق الصمت وثمنه المرّ! عشنا حياةً أخلاقيةً زائفة؛ فتهاوى سقف الحياة الحقيقة فوقنا، واستخسرنا حتى الأنين، بل عاقبنا من يئن. احتمينا بجدران من قش: اللي معه قرش بيسوى قرش (فقال لنا العالم هذا ثمن عادل).
– الحيط المايل اعطيه دفشه، (حين مالت حيطاننا جاء من رفسنا)
– إذا شفت الأعمى طبوا مانك أكرم من ربو، (حين فقدنا البصر والبصيرة ثمة من دفعنا للهاوية)
-اللي بتجوز أمي بقله عمي (فتعطلت قدرتنا على التمييز)

والآن نلومك يا زلزال، ولم لا فقد كنت تجسيداً بصريّا لأذيّتنا الأزليّة، كنت ختام مسرحية حياتنا القاتمة، ها قد أنزلت الستارة على حيوات كثيرة فما نحن فاعلون؟ يقول يونان للرب «صرخت من جوف الهاوية فسمعت صوتي، جازت فوقي جميع تياراتك ولججك». هل سيؤدي هذا الزلزال لارتدادات روحيّة فنهدم الأفكار المتصدعة في قلب رؤوسنا، هل ندرك أننا مرتبطون ببعضنا بعضا فنتخلص من التحيز العاطفي والعمى الأخلاقي. هذا لا يتطلب أي ثقافة أو فكر ولا قراءة الكتب وتقمصّ النظريات، بل القليل من المرونة.

غياب من نحبهم تحت الأنقاض ليس سهلاً (كان هناك كائن، ثم ما عاد كائناً) ما كان قبل منتظماً صار ركاماً من الأشياء المبهمة، أظهرت الأرض وجهاً قبيحاً، رجفت بما عليها سبعة أيام * إن أكثر الأماكن تعرضاً للزلازل هي اليابان، وهي ذاتها التي تلقت قنبلتين ذريّتين، لكنهم تعلموا أن ما يبنيه الوهم يسقط وما يتأسس على الحقيقة يدوم.
مبان أكثر مرونة (هذا كل ما في الأمر) فالشجرة التي تكسرها العاصفة هي الصلبة الجافة، والخريف يسقط الورقة المصفرة. أن نستمرئ دور الضحية!
لا، لا يجدر فعل ذلك الآن، أن نحفر بأظافرنا لنخرج من تحت الأنقاض التي بناها مقاولو الأفكار وتجّارها؛ (والتي انهارت فوق رؤوسنا جميعا).
استلهمت الفلسفة في القرن الخامس قبل الميلاد وعبر مؤسسها سقراط حكمة معبد دلفي، التي أصبحت بوصلةً للوصايا الفلسفية والأخلاقية: أيها الإنسان إعرف نفسك بنفسك؛ ما نقلها من كونها نظراً عقليّا في العالم إلى تأمل باطنيّ في الذات؛ وهذا التأمل لا يتعلق بفهم أنفسنا وتهذيبها بقدر ما يطرح مسألة العلاقة مع الآخر المختلف. (الزلزال وكل الكوارث تملك بُعداً مستقبلياً؛ إن رغب الإنسان بأن يقرأ التجربة البشرية). نحن لسنا ضحايا نحن الذين واجهنا الحرب والغرق ودروس الطبيعة بالصبر والتصبر.
(نحن المتضررون الأزليون)
الزلزال هو الاختبار الأصعب لكن ماذا بعد الزلزال؟ ربما علينا أن نفهم أكثر مما نواجه ونرفض، حين نفهم نغيّر، حين نواجه ونرفض نتعثر، أن نقبل بعضنا دون تبرير حتى لا تتحول حياتنا إلى ادعاء في ادعاء.
كتب فولتير مؤلفه «رسالة في التسامح» في عام 1763 عقب مصرع جان كالاس، للدفاع عن أسرة بروتستانتية تم اضطهادها، على الرغم من انتمائه للأغلبية الكاثوليكية في فرنسا، ليجسد المعنى الحقيقي للتسامح، ليس بمعنى القبول، بل بمعنى الانفتاح: قد أختلف معك في الرأي، لكني على استعداد أن أموت دفاعاً عن رأيك. بعد أن ينتهي العزاء يتُرك المكلوم وحيداً، ما إن ينتهي العناق يذهب الناس ويبقى الأسى، عقب دفن ضحايا الزلزال سنبقى بمفردنا لنفكر ونقرر كيف نخرج من تحت أنقاض أفكارنا المتآكلة، ما نحتاجه الآن ليس عناقاً وتعاطفاً فقط، ما نحتاجه (زلزال روحيّ مواز يهدِم ما عشش في عقولنا: أن نفهم مغزى أنــّات الضحايا).
ورد في السفر: آه يا يونان، إنني أريد منك هذه الصلاة من بداية القصة. منذ زمن وأنا أريد أن أكلمك وأتفاهم معك، لكنك غضبت وهربت ورفضت أن تتفاهم، أما الآن فإنها فرصة مناسبة لنصطلح».
إذا كان الزلزال هو السؤال فهل سنعيش ملتفتين للخلف بقية أعمارنا، كما فعلت المرأة التي تحولت لعامودٍ من الملح، أم سنجيب ونحن في بطن الحوت: يا الله لقد فهمت.

 الدروس المستفادة من كارثة تركيا وسوريا: لا مفر من الزلازل والتحضير لها مهم والجميع في العالم عرضة لمثلها (القدس العربي، 08/02/2023) نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا للأستاذة المساعدة في علوم الأرض والغلاف الجوي في جامعة كورنيل، جوديث هوبارد، قالت فيه إن الزلازل الكبيرة تحدث بشكل مفاجئ ولا مفر منها، وعليه فأحداث يوم الاثنين القاتلة في تركيا وسوريا لا تختلف عن ذلك.

وأضافت أنه تم توثيق النظام الصدعي الذي تسبب في حدوثها والزلازل الأخرى في المنطقة بشكل جيد من خلال الدراسات الميدانية المجهدة والسجلات التاريخية والملاحظات الجيوفيزيائية على مدى عقود عديدة.

إلا أن كل هذا لم يعط قدرة لأي باحث في علم الزلازل لكي يتنبأ بالموقع الدقيق للزلزال الذي وقع هذا الأسبوع، وقته أو شدته.

وفي النهاية يظل الماضي دليلا جيدا لما يجب القيام به الآن. ويمكن الآن تطبيق الدروس المستفادة من الزلازل السابقة في المنطقة وربما كانت هذه الكارثة بمثابة تحذير للاستعداد للزلازل القادمة.

ولفهم الكيفية، ما علينا إلا التفكير بالتكتونية أو الآثار الواسعة التي تصيب قشرة الكرة الأرضية. فقد تهشمت الصفيحة العربية التي تتحرك بلا هوادة نحو الشمال وانقسمت بسبب ذلك المنطقة المحاصرة بينها وبين الصفيحة الأوراسية – تركيا إلى قطع ممزقة.

 وعلقت الباحثة أن الأسطح التي انزلقت يوم الاثنين واقعة بالقرب من الصفيحة العربية وهي جزء من صدع شرق الأناضول النشط باستمرار والذي يعمل بجانب صدع شمال الأناضول. وفي الوقت الذي تتحرك فيه الصفيحة العربية شمالا، يبتعد غرب تركيا عن طريق منطقة الاصطدام.

وعلى الرغم من سهولة رؤية حركات الصفائح المتزايدة باستخدام قياسات الأقمار الصناعية، إلا أن الزلازل التي تنتجها غير منتظمة بشكل ملحوظ. وبعض الصدوع تبقى ساكنة لأكثر من ألف سنة. وعندما تكون الفواصل الزمنية بين الزلازل الكبيرة طويلة، كما هو الحال مع العديد من أخطر صدوع الأرض، فغالبا ما يكون الناس غير مدركين للخطر وغير مستعدين.

ويمكن حتى للجيولوجيين أن يصابوا بالحيرة، كما تعلمنا في عام 2008 عندما ضرب زلزال بقوة 7.9 على مقياس ريختر سيشوان بالصين، وكانت الباحثة تدرسه.

ويعتقد الكثيرون أن المنطقة تتشوه ببطء شديد بحيث لا تؤدي إلى مثل هذا الحدث الضار. وتساءلت الباحثة عما يعنيه هذا للأمم المصابة من آثار الزلازل؟ تقدم الباحثة لنا خمسة دروس.

أولا، علمتنا التجربة أن بعض الأنظمة الصدعية تنتج سلسلة من الزلازل على مدى أيام إلى عقود. وعليه فالاستمرار في الاستعداد لمزيد من الزلازل الكبيرة في تركيا وسوريا لا يقل أهمية عن الإنقاذ وإعادة البناء بعد هذا الزلزال. ولا تختلف الزلازل التاريخية على صدع شرق الأناضول كثيرا عن النشاط في صدع شمال الأناضول الذي سبق وأن شهد ستة زلازل كبيرة من عام 1939 إلى عام 1967.

ثانيا، من المحتمل أن يستغرق الأمر عدة سنوات لكي نكون قادرين على تقدير حجم هذه الكارثة. وتركز التقارير المبكرة عن الأضرار والوفيات بشكل عام على المدن. وفي بعض الزلازل، لا يعرف التأثير بدقة على الإطلاق. على سبيل المثال، تتراوح تقديرات عدد القتلى من الزلزال الذي ضرب هاييتي في عام 2010 من أقل من 100.000 إلى أكثر من 300.000 وحتى بعد إعادة الإعمار.

ويمكن أن تستمر التأثيرات على الأفراد الذين ربما فقدوا منازلهم وسبل عيشهم وأسرهم طوال حياتهم. ولن يظهر الفهم الحقيقي للآثار المادية والاجتماعية لزلزال كبير إلا بعد عدة عقود.

ثالثا، يجب أن تركز المساعدة على الاحتياجات المهمة التي تهم السكان المحليين والقدرة على الصمود على المدى الطويل. فإعادة إعمار المنازل وفقا للمعايير الهندسية السيئة سيكون حلا سريعا للحاجة الماسة وتوفير المأوى للمشردين، ولكنه سيعرض الناس لخطر استمرار النشاط الزلزالي.

رابعا، وهو من الماضي، فبينما تجلب الزلازل معاناة لا توصف فإنها يمكن أن تؤدي أيضا إلى تغيير إيجابي. فقد ساعد زلزال سومطرة عام 2004 على إنهاء حرب أهلية حيث اجتمع الطرفان للتركيز على الخروج من الكارثة. لا تزال ولاية آتشيه في شمال سومطرة تنعم بالسلام. ويجب اغتنام فرص تحسين البنية التحتية وحل الخلافات السياسية في تركيا وسوريا، بالنظر إلى الأزمة الإنسانية الموجودة مسبقا على طول الحدود.

خامسا وأخيرا، يعرف الأمريكيون الذين يشاهدون أخبار مأساة تركيا وسوريا هذا: يمكن للناس أن يستيقظوا في أي يوم على زلزال مماثل بقوة في سان فرانسيسكو. مثل صدوع شمال وشرق الأناضول، فإن سان أندرياس عبارة عن صدع طويل ضحل قابل للانزلاق مع معدل انزلاق مماثل.

لم يحصل زلزال بقوته القصوى على معظم صدوع الولايات المتحدة النشطة والخطيرة في الذاكرة الحية، بما في ذلك كاسكاديا في شمال غرب المحيط الهادئ، وواساتش في ولاية يوتا وغيرها الكثير. فالولايات المتحدة، مثل كل دولة نشطة زلزاليا، وسيكون من الحكمة استخدام فترات السكون للتخفيف من آثار الزلازل التي لا يمكن التنبؤ بها ولكن لا مفر منها.

Pour citer cette ressource :

Lama Zoudi, الزلازل .. ظاهرة طبيعية أم غضب السماء ؟ - Question d'actualité, La Clé des Langues [en ligne], Lyon, ENS de LYON/DGESCO (ISSN 2107-7029), mars 2023. Consulté le 09/11/2024. URL: https://cle.ens-lyon.fr/arabe/civilisation/monde-arabe/question-dactualite-al-zalazil-zahira-tabiiyya-am-ghadhab-al-samai