الخميس 7 يوليو 2023 - رحيل الشاعر المصري محمود قرني شاعر "القصيدة المعرفية"
محمود قرني شاعر "القصيدة المعرفية" عاش الموت ورحل
محمد السيد إسماعيل (اندبندنت عربية، 3/7/2023)
بعيداً من فكرة المجايلة نستطيع أن نقول إن الشاعر الراحل محمود قرني ينتمي إلى الموجة التحديثية الثانية في مسيرة القصيدة العربية في مصر والتي تضم شعراء جيلي السبعينيات والثمانينيات، هذه الموجة التي أكدت فردية الإبداع والخروج على ما استقر من تقاليد القصيدة التفعيلية في جيلي الريادة والستينيات. ويمتاز محمود قرني - داخل هذه الموجة الثانية - بمجموعة من الخصائص جعلت منه صوتاً شعرياً متفرداً، وأولى هذه الخصائص هي: كثافة النبرة الشعرية مما وسم شعره بالصعوبة، إن لم نقل الغموض، فالقصيدة عنده - بعوالمها المتداخلة - لا تسلم نفسها للقراءة السهلة بل تحتاج من المتلقي إلى جهد مضاعف لفك شفراتها والتعامل مع ترميزاتها، وربما كان ذلك بأثر من افتنان قرني بالشاعر الكبير محمد عفيفي مطر ومن ثم محمود حسن إسماعيل.
تأصيل قصيدة النثر
ومن هنا تأتي الخاصية الثانية وهي جدل الشعري والمعرفي ومحاولة تأصيل قصيدة النثر واستزراعها في الثقافة المصرية عبر الالتفات إلى محورية المكان، على نحو ما نرى في استدعائه للمدينة الشعبية "بولاق الدكرور" التي أقام بها سنوات عديدة، هذه المدينة التي أراها مرشحة للارتباط بشعرية قرني شأن كثير من الشعراء الذين دارت شعريتهم حول أماكن محددة، كما يظهر في قصيدته "الله لا يسكن في بولاق" وغيرها وعودته إلى قناة السويس وإلماحاته إلى شخصية جمال عبدالناصر في قصيدة "منديل الزعيم" واستحضار ما يشبه الماضي الأسطوري في قصيدة "أبناء الله" حين يقول "في تلك الليلة المطيرة/ أغارت السماء على قدمين ناعمتين/ فظنا أنها القيامة/ وعندما رأيا الصحراء/ على صفحة المياه/ أدركا أنهما في سراب الأبدية/ فتزوجا/ وأنجبا بنين وبنات"، وهي سطور تعكس تفجر الطبيعة وتوالدها وتداخل الذكوري والأنثوي في ما يشبه بدائية الخلق الأول
محمود قرني.. وداعاً شاعر العذابات النبيلة
إيهاب الملاح (الاتحاد، 6/7/2023)
لم يكن خبر رحيل الشاعر والمثقف المصري الكبير محمود قرني (1961 - 2023) مفاجئاً لمن يتابع حالته الصحية المتدهورة، بقدر ما كان موجعاً ومريراً لكل من عرفه أو أدرك قيمة إبداعه الشعري، والمساحات الهائلة التي ملأها نقداً وقراءة وإشاعة للمعرفة الفنية والإبداعية والفكرية في كل المجالات. نهاية تراجيدية تليق بشاعر نبيل متعفف مترفع عن الطلب والجأر بالشكوى، كان كما يصفه المفكر المصري نبيل عبد الفتاح بأنه «حالة من نكران الذات المعبرة عن الثقة فيما يبدعه ويكتبه وبقائه حياً، يصوغ الأمل في الشعر والكتابة من قلب خرائب الحياة. ثقة عميقة أن مكانة إنتاجه مقدرة سواء قال بعضهم واعترف بذلك، أو أنكر أو صمت، شأن الكثيرين في النقد، والكتابة المهيمنة».
محمود قرني واحد صوت شعري من أبرز وأهم بل وأكبر أصوات ما يسمى بجيل الثمانينيات في قصيدة الشعر العربية، وأحد رواد ومبدعي قصيدة النثر في ذروة تجلياتها التصويرية والإبداعية، بين الطبقة الأولى من كتابها ومبدعيها في مصر والعالم العربي.
«أحد بناة العوالم التخيلية لقصيدة النثر»، كما يطلق عليه نبيل عبد الفتاح، وموقعه بارز في جيله، وما بعده، من شعراء قصيدة النثر، من هنا تبدو المفاضلة بينه وبين الميراث الثقافي للشعرية العربية الكلاسيكية، والوسطية والإحيائية والتجديدية، للقصيدة العمودية والشعر الحر، أو الشعر المنثور
عن محمود قرني ورحيله الشريف
هشام أصلان (ضفة العربي الجديد، 5/7/2023)
"... وتمنيت لو جمعتنا الأيام قبل ذلك". بهذه العبارة، اختتم الشاعر والكاتب المصري محمود قرني، الذي رحل عنا هذه الأيام، إهداء نسخة من مختاراته الشعرية الصادرة قبل شهور عن قصور الثقافة بعنوان "خاتم فيروزي لحكيم العائلة" إليّ، بينما لم يعرف حجم دهشتي بسبب أن كلماته كانت كأنها تعبير دقيق عن مشاعري أنا تجاهه. وهي مشاعر لم أفصح عن كواليسها له، اكتفيت بالاستمتاع في الصحبة، ذلك أنني عرفته فترة وجيزة مؤخرًا كانت كافية لمحبته واحترامه ومعرفة قدره كشاعر وكاتب ومثقف نبيل وشريف، وإدراك أن انطباعي عنه من بعيد لم يكن في محله، ولا أدري إن كانت معرفتي المتأخرة به من سوء الحظ، أم أنني حسن الحظ لأنني عرفته عمومًا، ولو لم تتعد تلك المعرفة جلستين، أو ثلاث، في مقهى، ومثلها في قاعة اجتماعات، وواحدة في بيت صديق، وتوصيلة بالسيارة في زحام شارع فيصل حيث يسكن، معرفة كيفية قادتني إلى مراجعة نفسي والذهاب إلى قراءة ما أتيح من كتابات له وعنه. محمود قرني الذي انتشيت لمجرد أن اختياراتي لبعض الدواوين الشعرية له تشابهت مع اختياراته حين تزاملنا في تحكيم جائزة أحمد فؤاد نجم لشعر العامية، وذلك إن جاز تعبير "تزاملنا" في سياق الكلام عن أستاذ كبير، لعبت الدردشة معه دورًا في تغيير نظرتي إلى أمور، وأشخاص، وقت استشعرت منه موضوعية في تقييمه نقديًا للواقع الثقافي المصري وتاريخه الحديث، محتكمًا إلى رؤية معرفية وواقعية عامة، منحيًا موقفه الشخصي وموقعه من الأحداث جانبًا بشكل مثير للإعجاب. إنه مثقف عضوي مؤثر وفاعل في المجال العام، وشاعر اجتهد في سبيل وضع القصيدة عند أبعد نقطة من الهشاشة والانتهاك في لحظات الاستسهال
الموت يُغيِّب الشاعر محمود قرني صاحب «لعنات مشرقية
رشا أحمد (الشرق الأوسط، 2/7/2023)
لم تكد الحياة الثقافية في مصر تفيق من صدمة الرحيل المفاجئ للروائي حمدي أبو جليل حتى منيت، أمس، بصدمة أخرى على أثر وفاة الشاعر محمود قرني، عن عمر يناهز 62 عاماً، بأحد المستشفيات الخاصة بالقاهرة، وبعد صراع مرير مع مرض الكبد. يعد قرني من أبرز شعراء الثمانينات في مصر، ولعب دوراً مهماً في تأسيس الكثير من الملتقيات الأدبية، كما كان نموذجاً لكبرياء المبدع الذي واجه محنة المرض بشجاعة وظل صامداً في وجه الخذلان والإهمال. وكان مثقفون وأدباء قد طالبوا مؤخراً وزارة الثقافة واتحاد الكتاب بعلاج الشاعر الراحل على نفقة الدولة، بعد تعرضه لأزمة صحية حادة، تتطلب إجراء جراحة عاجلة لزراعة كبد. ورغم معاناة صاحب «لعنات مشرقية» التي انتهت بوفاته، ظل يردد حتى النفس الأخير: «أنا رجل قتلني وضوحي - لا أرغب في امتلاك شيء - سوى سلة من حروف الهجاء - أحاول هندستها حسب رغبات - يصفها العقلاء بأنها مجرد أضاليل».
محمود قرني... شاعر يمحو آثار خطواته
شريف صالح (النهار، 3/7/2023)
عشية رحيله اشتعلت صفحات التواصل الاجتماعي مطالبة بإنقاذ الشاعر محمود قرني (1961 ـ يوليو 2023)، وتولي الدولة علاجه على نفقتها لأنه كان بحاجة إلى زرع كبد.
كانت نداءات اللحظات الأخيرة بعد فوات الأوان، فالجسد انهار، والموت القاسي نخر فيه منذ شهور طويلة، وغيّر ملامح الوجه. شاخ محمود قبل الأوان، وهزمته الحياة التي عاشها مقاتلًا شجاعًا.
وسبق له أن رد على تلك المطالبات منذ انطلاقها في مارس الماضي بتدوينة مؤثرة:
"الأصدقاء والصديقات الفضلاء والفضليات، أعجز حقًا عن شكركم وبالغ مشاعركم تجاه ما نشرتم عن أزمتي الصحية الأخيرة، هذا في حد ذاته ثمن غال للشفاء من كل سقم وهو تقدير أتمنى أن أكون بحجمه، لكنني في الحقيقة لست ممن يحبذون نشر مسارات حياتهم الشخصية على صفحات فيسبوك، لكنني كنت مضطرًا لنشر صورتي بالمستشفى ردًا على عتاب أصدقاء، أحبهم وأقدر ما يقدمون لنا من إبداع راق، لأنهم، وهم محقون طبعًا، يدعونني للمشاركة أو الحضور في ندواتهم لكنني لم أكن مستطيعًا، أردت فقط أن أقول لهم صحتي قهرتني فلا تؤاخذوني على ما لا أملك لإصلاحه سبيلًا، لكنني فوجئت بكل تلك المحبة وهذا السيل من الدعاء المقبول بمحبتكم".
حدود التجربة
تنتمي تجربة محمود الشعرية والحياتية إلى جيل الثمانينات/ التسعينات، ومعظم نجومه نزحوا من أرياف وقرى مصر، وعملوا في الصحافة الثقافية، ومنهم فتحي عبد الله، أحمد الشهاوي، سمير درويش، هشام قشطة، أسامة الدناصوري، إبراهيم داود، حسن خضر، عزمي عبد الوهاب، علي عطا، مصطفى عبادة، ياسر الزيات، إيمان مرسال، وأحمد يماني.
تعمدت عدم فصل الجيلين، لأن بعضهم انطلق مبكرًا في عقد الثمانينات، وبعضهم تأجل بزوغه إلى التسعينيات، ومنهم محمود نفسه الذي نشر متأخرًا بعض الشيء، في النصف الثاني من التسعينات.
كما يتلاقون في التأثر بالنقلة العميقة التي أحدثها جيل السبعينات نحو "قصيدة النثر" هربًا من الإيقاع الخليلي والتفعيلي، ومن الآباء الشرعيين ـ أو غير الشرعيين ـ في جيل السبعينات: حلمي سالم، عبد المنعم رمضان، محمد سليمان، وأحمد طه.. والمتأثرين بدورهم بثورة شعرية قادها رواد مثل صلاح عبد الصبور وعبد المعطي حجازي وعفيفي مطر، وربما التأثير الأكبر كان لسوريا ولبنان، خصوصًا الماغوط وأنسي الحاج وأدونيس. أي أن قرني كان ابنًا لسبعين عامًا من الكفاح لترسيخ قصيدة النثر وسط ذائقة معادية لها شعبيًا ورسميًا.
رحيل محمود قرني.. شاعر بطبيعة نهرية
(إلترا صوت، 3/7/2023)
رحل عن عالمنا صباح يوم أمس، الأحد، الشاعر المصري محمود قرني (1961 - 2023) بعد صراع مع المرض.
وُلد قرني في مدينة الفيوم، وتابع دراسته حتى نال درجة ليسانس في القانون من "جامعة القاهرة" عام 1985، وعمل في المحاماة لفترة وجيزة، وبدأ نشر قصائده ومقالاته بعد تخرّجه. ثم عمل لاحقًا في الصحافة الثقافية مراسلًا ومحررًا، كما شارك في العديد من مهرجانات الشعر العربية والدولية.
يعدّ قرني أحد أبرز شعراء جيل الثمانينيات في قصيدة النثر المصرية، وإلى جانب إصداراته الشعرية المتنوعة أسّس، بالتعاون مع شعراء آخرين، ملتقى قصيدة النثر في القاهرة لدورتين متصلتين في 2009 و2010 شارك فيه أكثر من 40 شاعرًا وشاعرة من العالم العربي.
كتب الروائي المصري عبد النبي فرج في دراسة نقدية حول شعره: "قصيدته ذات طبيعة نهرية، متدفقة، هادرة، وحشية، تمتح من مصادر شديدة الخصوبة: الذات، الواقع المعيش، والأسطورة، المعرفي، الأحلام والكوابيس، السرد بصفة عامة، وسرد ألف ليلة ولية خاصة، السرد الشفاهي، والمسامرات والأحاجي، والموسيقى الشرقية التي أكسبت القصيدة إيقاعًا حسيًّا منتظمًا".
من دواوينه الشعرية: "حمامات الإنشاد" (1996)، "خيول على قطيفة البيت" (1998)، "الشيطان في حقل التوت" (2003)، "لعنات مشرقيّة" (2012).