الانهيار الكبير
جريدة الأخبار- ابراهيم الأمين
الأربعاء 5 آب 2020
كما في الأفلام التي ترسم مشهد نهاية الكون. الغيمة التي تلوّنت سريعاً من حمراء إلى سوداء إلى رماد سام، بدت صورة مستعادة من أفلام الحروب العالمية. المدينة تحوّلت إلى كومة ركام بعدما دُمّرت بعبثية مجانين. صراخ علا في المدينة وكل أطرافها، ووصل صدى الصوت إلى أنحاء البلاد. هزة أرضية فعصف ثم غبار يخفي، للحظات، حجم الكارثة، قبل أن يجد الناس أنفسهم، فجأة، أمام الصورة كاملة. صورة الانهيار الكبير الذي أصاب مركز البلاد، لتنتشر شظاياه في أجساد الجميع، ولكن، وللأسف، من دون أن توحّدهم. سواء كان وراء ما حصل خطأ أو جريمة تخريب أو أي شيء آخر، فإنه ليس سوى رفع للغطاء عن الهريان الذي ضرب هذه البلاد. أتى الانفجار ليكشف عن وجه الانهيار الكبير. انهيار منظومة متكاملة، من طريقة تفكير وتصرّف وإدارة وطريقة تعامل مع الأزمات. كان المتخاصمون ينشدون معاً نشيد «اللقاء عند حافة القبر». لكن المأساة لن تجمع الشعوب اللبنانية الآخذة بالتفلّت من كل شيء جامع. صار الانهيار الجماعي حجة إضافية لمزيد من العبث والمكابرة والإنكار. لكنه انهيار أخلاقي، أيضاً، أصاب كل منظومة القيم التي تحفظ تعاطفاً أو تكافلاً اجتماعياً وإنسانياً بين الناس. انهيار على شكل مأساة، لكنها لم تمنع جهات ومجموعات وأفراداً من السعي إلى استغلاله من أجل مكاسبهم التافهة. انهيار دلنا على أن بلادنا لم يعد فيها من يحظى بثقة الناس، سواء أكان مؤسسة أم جهة أم شخصاً. انهيار سيمنع غداً حزناً جامعاً على من سقط في هذه الكارثة الكبيرة. انهيار كشف لنا، في ساعات قليلة، أن مأساة كبيرة تنتظرنا خلف الأبواب. من يسمع تعليقات من يفترض أنهم يعرضون أنفسهم لتولي المسؤولية، وكيف صاروا، في دقائق، خبراء وضاربين في علم الغيب، وما أفرغوه من تحليلات واختراع وقائع، لا يقول لنا سوى شيء واحد: إنه الانهيار السابق للخراب الكبير. الخراب الذي لن يُبقي على شيء. أما الناس المتعبون، الذين جُبل عرقهم بدمائهم أمس، فسيُتركون لحالهم، ينشدون موتاً أقل صخباً لو أمكن، عسى أن يكون استغلاله أقل من قبل كواسر صاروا يرحّبون بالموت بحثاً عن رزقهم ولو على شكل جيفة. هؤلاء الذين لا نعرف لماذا تسمح لهم الشاشات بالتنقل بين الموتى، لتحريض الضحايا بعضهم على بعض. في لحظة واحدة ساد الصمت، ثم زالت الصدمة، وكأنّ الناس ينتظرون مثل هذا الحدث، وكأن هذه البلاد لم تشبع بعد من الدمار والنار والدماء والصراخ. وهي لحظة مستمرة لا يُتوقع لها أن تزول قريباً.
جريدة الجمهورية-رولان خاطر
الأربعاء 5 آب 2020
إنّها بيروت أم هيروشيما؟
لوهلة، يظنّ من يقرأ بالصورة تاريخ لبنان وكأنّ هذا البلد لا يشبع دماً ولا ضحايا، لكن اذا تأملنا بعمق نرى كم هو مجروح ومسكين ومتعب. خائب من شعبه قبل أيّ خارج. ليست بيروت وحدها منكوبة، لبنان أيّها السادة كلّه مدمّر. حزين. صامت. مقهور. مفجوع. لبنان يهوي. كم من تاريخ أسود يجب ان تحمله روزنامة هذا البلد كي يصبح وطناً. 4 آب كان يوماً حزيناً، لا بل كالسيف الذي يقطع أوصال الروح. كيف لا، والمسافة التي تجمع بين الكرنتينا والمرفأ يغطيها سواد الانفجار. الناس مشرّدة على الطرقات، البيوت القديمة المتصدعة أصلاً انهارت على ساكنيها. أحمد الحاج أب ينتظر خبراً عن أرواحه الأربع الموجودة تحت الركام، فيما يقف وتحت رجليه كيس أبيض، ينظر إليه بحسرة ويبكي بشكل متقطّع، آملاً أن يخرج من في الكيس حياً، لكن لا، فقدر ابنته ان تذهب باكراً، وهي بعمر الـ22 عاماً. رحلت والغبار والدم يغطيان جسدها، فيما ما يمنّ النفس ان تكون طهارتها كفيلة بإدخالها ملكوت السماوات. الردم يغطي طول الطريق من الكرنتينا الى المرفأ. السيارات محطّمة على جانب الطرقات. ناس تركض نحو المرفأ لعلّها ترى صورة النار، وآخرون عائدون يتحسّرون على وطن حكامه فاسدون، كاذبون، فاسقون، مضطربون، كافرون. تكمل الطريق، محطة شارل حلو للسيارات مدمّرة بالكامل من الداخل. وبينها وبين مدخل المرفأ خراب يعمّ المكان. الجيش اللبناني ومخابراته يضبطون الأرض، فيما تقوم جمعيات الانقاذ من كافة الطوائف بعمليات الاغاثة. وكان قد وقع انفجار نحو السادسة مساء في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت. وفيما تضاربت المعلومات حول كيفية حصوله، خصوصاً بعد نفي اسرائيل الرسمي أي علاقة لها باستهداف مرفأ بيروت، أشارت المعلومات أمس إلى أنّ حجم الانفجار 2700 طن من مادة الأمونيوم، وفق التقرير الذي كان على طاولة المجلس الأعلى للدفاع. «الجمهورية» عاينَت الأضرار في قلب بيروت. الطرقات كانت حالكة الظلام من الكرنتينا إلى باب المرفأ. الأبنية، المؤسسات، الشركات، المستشفيات في جوار المرفأ في الكرنتينا والأشرفية كلّها تَأذّت أو دُمّرت بالكامل على غرار مستشفى الروم.