الجمعة 30 يونيو 2023 - رحيل حليم بركات عالم الاجتماع والروائيّ السوريّ
حليم بركات... المرتحل في فضاء الاغتراب العربي
إبراهيم عادل (المجلة، 30/6/2023)
رحل عن عالمنا عالم الاجتماع المثقف والروائي الكبير حليم بركات عن عمر يتجاوز التسعين عاما، قضى جلها في محاولاتٍ جادة لدراسة المجتمعات العربية، ومحاولة الكشف عن ما تعانيه من مشكلاتٍ تتعلق بالتشرذم والبحث عن الهوية، وما ترزح تحته من حالات القهر والاستغلال والاغتراب، وغيرها من المشكلات الاجتماعية والسياسية التي لا يخلو منها مجتمع عربي.
ولد حليم بركات بقرية الكفرون بسوريا عام 1933، توفي والده صغيرا وانتقلت أسرته للعيش بلبنان، وهناك حصل على الماجستير في علم الاجتماع من الجامعة الأميركية ببيروت، والدكتوراة في علم النفس الاجتماعي من جامعة متشيغان بالولايات المتحدة الأميركية عام 1966.
كتب حليم بركات روايته الأولى في سنواته الأولى بالجامعة فصدرت رواية "القمم الخضراء" عام 1956، ولكنه لفت انتباه النقاد بروايته التالية "ستة أيام" المنشورة عام 1961، والتي اعتبرها الكثيرون بمثابة استشراف لأحداث هزيمة يونيو/حزيران 1967، وتدور أحداث الرواية حول مدينة متخيلة أسماها "دير البحر" تتعرض لحصار كبير من الأعداء، ولا يبقى أمامها إلا الاستسلام للعدو أو الدمار.
حليم بركات وبيروت التي لم تعدْ ملوّنة
محمد الحجيري(المدن، 30/6/2023)
في كتابه "المدينة الملونة"(منشورات دار الساقي) يقول الروائي وعالم الاجتماع الراحل، حليم بركات: "عرفت جيداً أن بيروت ليست المدينة التي تنام باكراً مع العصافير، وأن ليلها أجمل ما تعد به سكانها وعشاقها في مختلف الفصول. غير أني نسيتُ، وأنا أتجوّل وسط دمار ساحة البرج، ما حفظتُ من تبجيل لبيروت حين استرجعنا تفاصيل حياتنا فيها... وحين واجهت الدمار العبثي إثر الحرب الأهلية الثانية، انهارت داخل نفسي الأساطير التي حيكت حول لبنان فاقتنعت بأنه كان يقوم على أسس واهية لم تصمد عندما عصفت به، وببيروت، رياح الأزمات العاتية"... و"ها قد مضى ربع قرن وما زالت آثار الحرب المجنونة تلك تتفاعل فتعيش مع ناس وأزمة وذاكرة هذا الوطن وهذه المدينة المنذورة لتعيد بعثها بعد كل حرب، وبعد كل موت
رحيل حليم بركات: الإصرار على "الاغتراب" حتى النهاية
(العربي الجديد، 29/6/2023)
يرتبط اسمُ حليم بركات بظاهرة الاغتراب، التي شخّصها منذ أعماله البحثية الأولى في الثمانينيات، والتي حلّل فيها راهن المجتمعات العربية. اهتمامٌ قاده، بعد عقود، لتخصيص كتابين عمّق فيهما أبحاثه حول هذه الظاهرة التي تناولها على مستويين: في الحياة اليومية للمواطن العربي ("الاغتراب في الثقافة العربية: متاهات الإنسان بين الحلم والواقع"، 2006) وفي حياة المثقّفين ("غربة الكاتب العربي"، 2011).
عن عُمر ناهز التسعين عاماً، رحل عالم الاجتماع والروائيّ السوريّ يوم الجمعة الماضي، الثالث والعشرين من حزيران/ يونيو الجاري، في مغتربه الأميركي، تاركاً وراءه سبعة عشر مؤلَّفاً في الرواية والسوسيولوجيا.
حليم بركات يرحل في غربته الأخيرة
محمد الحجيري(المدن، 29/6/2023)
آخر مرة وصلتني أخبار الروائي وعالم الاجتماعي حليم بركات، كانت صورته في مأوى المسنين في الولايات المتحدة الاميركية، كانت الصورة قاسية وحزينة و"عابرة"، وإشارة إلى هشاشة الإنسان...
وقبل أيام رح حليم بركات في المنفى الأميركي، أو في غربته الأخيرة، فالروائي وصاحب "طائر الحوم" و"عودة الطائر إلى البحر"، المولود في العام 1936 في بلدة الكفرون التابعة لمحافظة طرطوس السورية، غربته الأولى هي رحيله القسري عن مسقط رأسه إلى بيروت، ومن أسبابها وفاة والده المبكرة. حينذاك رحلت والدته إلى بيروت بحثاً عن عمل، ولاعتقادها بإمكان تأمين الدراسة لحليم واخوته في مدارس لبنان. يقول بركات: "كانت والدتي امرأة أميّة، لكنها كانت تعي أن المنقذ لنا كثلاثة أطفال هو تحصيل العلم". واستأجرت مستودع الحطب. وحين تمكنت من "شراء حصيرة ومساند ينام عليها اولادها"، "التأم شمل العائلة في مطلع ايلول 1942"، بعدما كانت الأم سبقت الأبناء إلى بيروت...
وداعاً حليم بركات المُفكِّر الموسوعيّ والمُناضل الأصيل
محمد الحوراني(ديوان العرب، 01/7/2023)
من الكفرون إلى دمشق، فبيروت، ومنها إلى الولايات المتّحدة الأميركية، كانت رحلة الباحث والمُفكّر النهضويّ الموسوعيّ الدكتور حليم بركات، الذي أمضى حياتَهُ ولقاءاته مع الباحثين والمُفكّرينَ العرب والغربيّين، مُدافعاً عن عدالة القضايا العربية، ولا سيّما قضية فلسطين. كيف لا، وهو المُثقّف العُضويّ، حسبَ تعبير غرامشي، والمُثقّف المبدئيّ الذي آثرَ الانحيازَ إلى قضايا الأمّة في النهوض والتحرُّر؟
وهذا ما يظهرُ جليّاً في مشروعه الإبداعيّ والفكريّ، انطلاقاً من روايتَيهِ "القمم الخضراء" ١٩٥٦، و"الصمت والمطر" ١٩٥٨، وليسَ انتهاءً بعمله الفكريّ المُجتمعيّ التحليليّ الرائع "المُجتمع العربيّ المعاصر"، وهو العملُ الذي أمضى في كتابته ثلاثةَ عُقود، اشتغلَ فيها على الأبحاث والدراسات الاجتماعية والثقافية التي تتناولُ المُجتمعَ المعاصر وما طرأ فيه وعليه من تَغيُّرات، معَ تقديمه تفسيراتٍ بنائيّةً، مُركّزاً بها على دراسة البنية الطبقيّة والاختلاف في أنماط المعيشة، ونظراً إلى أهميّة الأُسْرَة ودورها في بناء المجتمع، فقد ركّزَ اهتمامَهُ في الفصل الثامن من الكتاب عليها، لأنها نواةُ المُجتمع وصُلْبُ نُشوءِ المُؤسّسات الاجتماعيّة الأُخرى وتَطوُّرها،