الثلاثاء 3 أكتوبر 2023 - في وداع الكاتب السوري خالد خليفة
خالد خليفة.. عن حلب والحبّ والصلاة المرفوعة دائماً
أنس الأسعد(العربي الجديد،2/10/2023)
"الطوفان" وحدَه الأجدر على غَسْل "الآثام". هذان هُما عنوانا الفصل الأوّل والثاني من الرواية الأخيرة "لم يُصلِّ عليهم أحد" (2019)، للروائي السوري خالد خليفة الذي رحل عن عالمنا أوّل من أمس السبت، عن تسعة وخمسين عاماً. قبل أيّام من هذا التاريخ الأليم، الذي فُجِعنا فيه بكاتب ما زال في ذُروة عطائه الإبداعي ويُنتظَر منه المزيد، التأم أعضاءُ نادٍ صغير للكِتاب في بيروت، شبابٌ وشابّاتٌ مدفوعون بشغف كبير يتحدّثون ويفصّلون الحديث عن "حوش حنّا"، القرية التي ابتلعها الطوفان في الرواية، وعن صداقة زكريا البيازيدي وحنّا كريكورس. تساءلتُ: ما الذي يجعل من كتابة خليفة حيَّة بهذا القدر، حتى تنشغل بها شرائح مختلفة من عموم القرّاء العرب، إلى المُدقّقين والمختصّين في الرواية السورية؟
شخصيّاً، لم أتصوّر أنّي سأكتب عن الرواية، إلّا في مناسبة تُتيح لي أن أصل إلى صاحبها، أو "الخال" كما يُسمّيه السوريّون، لأقول له: "شكراً على هذا الجمال الذي يُشبهُك". فخالد (باسمه الأوّل) ليس صعباً أن تتعرّف عليه أو تلقاه، وإن لم تفعل فهو سيدقّ بابك ويسعى إليك. وأن تقول عنه: "هو من عامّة الناس"، ليس في هذا التوصيف مبالغةٌ ولا ادّعاء تواضُع، ها هي صفحات الناس عامّة، على وسائل التواصل الاجتماعي، تكتب عنه وترثيه، ويضع الهُواة والمُجرّبون والقرّاء العاديّون صُورهم معه بكلّ عفوية، بالمقدار نفسه الذي يتحدّث عنه زملاؤه الروائيّون والنقّاد ومترجمو أعماله إلى اللغات الأُخرى. نعم، أشهُرٌ قليلة تفصلني عن محاولتي الكتابة عن الرواية، التي أرجأتُها ظنّاً منّي أنّي بعد وقتٍ سأصل إلى كتابة مُختمِرة مُلِمَّة بكلِّ تفصيلٍ من تفاصيل العمل. ها نحن الآن، جميعاً، نكتب ونصلّي مع أشباح البيازيدي وكريكورس على روح "الخال"، يا للأقدار!
خالد خليفة أبرز فرسان الدراما الروائية التلفزيونية
سامر محمد اسماعيل(اندبندنت عربية، 3/10/2023)
يكاد يكون خالد خليفة من الأسماء القليلة في عالم كتابة السيناريو الذي انتصر للرواية التلفزيونية، بل وكرسها كاتجاه في أعماله التي كتبها في هذا السياق. فإلى جانب اشتغالاته الأدبية كروائي كما هو معروف، أتى خليفة إلى عالم الصورة التلفزيونية برهانات كبيرة، لعل أبرزها كان إبعاد أنصار الكتابة المعتمدة على التشويق والإثارة المجانية ودراما الفضائح عن هذه المهنة، واعتبار التلفزيون وسيلة حاسمة من وسائل التلاعب بالعقول، وأداة لا يستهان بها في ما يسمى "غسيل الدماغ الجماعي" للمجتمعات. ولا سيما في بلدان العالم الثالث التي تستسيغ قضاء ساعات مديدة في المشاهدة المرئية، على أن تقرأ الروايات والقصص الأدبية.
من هنا بدأ خالد مساره بقوة ككاتب سيناريو، مسدداً رميته الأولى في مسلسل "سيرة آل الجلالي" بشراكة لافتة مع المخرج هيثم حقي، الذي كان يعد في منتصف التسعينيات من أبرز المنظّرين لأدبية الحلقة التلفزيونية، وتشابهها مع الرواية.
رأى خليفة أن الكتابة للتلفزيون ليست مهنة هواة، بل هي مهنة لها ثقلها الفني والفكري، ويمكن عبرها تمرير أفكار لا تصل بسهولة إلى السواد الأعظم من جمهور بدأ ينفض عن مائدة القراءة، مع فورة الفضائيات العربية منتصف تسعينيات القرن الفائت.
في وداع خالد خليفة، وحبّ ما تبقى من الشام
زينة شهلا(رصيف 22، 3/10/2023)
للمرة الثالثة، أعيد حضور مقطع فيديو مدته ثماني دقائق وخمسة عشر ثانية، وهو عبارة عن فيلم قصير عن الروائي السوري خالد خليفة، وعن دمشق، والموت، عنوانه "منفي في بيتي".
في الدقيقة الرابعة، يبدأ خالد، وهو يجلس وحيداً في محل "القصبجي" في دمشق، بسرد بعض الأحداث "الاعتيادية" من العام 2013. "قصف جسر دير الزور المعلق، ومئذنة الجامع الأموي في حلب. قُتل الكثير من السوريين. هيثم سافر إلى مصر وستلحق به ديما وشادي. ريتا تفكر بالسفر إلى ألمانيا أو لندن. لينا سافرت إلى لندن. وفي الأخير، أنا لا أستطيع النوم منذ أسابيع عديدة".
خالد رحل عن عالمنا يوم السبت الفائت إثر أزمة قلبية مفاجئة في منزله في حي برزة بدمشق، وأنا أعيد سماع تلك العبارات بالذات لأكثر من عشرين مرة، وأفكّر: مثل سوريين كثر، لم أكن صديقته المقرّبة، لكني كنت أشعر على الدوام بكثير من التقاطعات بيننا، مثل الأمل الذي بقي متمسكاً به حتى اللحظة الأخيرة، رغم أنه "ما بيعرف من وين بيجي"، وافتقاد عشرات من رحلوا عن المدينة وعن حياتنا، والعلاقة المعقدة مع دمشق "المظلمة والمفخّخة"، كما يصفها، والتي رفض أيضاً أن يغادرها ويبني ذاكرة جديدة في أي مكان آخر، وأصرّ على البقاء فيها "ليأخذ حصته من العار والألم".
في رحيل خالد خليفة: كاتب الحبّ والموت
سميرة المسالمة، راسم المدهون، أنور محمد( ضفة العربي الجديد،2/10/2023)
في كل مرة يعود فيها إلى دمشق، كنت ألملم أطراف طلبي في بقائه آمنًا بعيدًا عن صخب الحرب، وروائح الموت، ولكن لمعرفتي به جيدًا، كنت أهذب سؤالي بقولي لمَ العجلة؟ يجيب بضحكته المعهودة: لأنتظركم عندما تعودون. نعم، هو يحمل ذلك القدر من الأمل في أن دمشق ستعود لتضج بسهرات أصدقائه في كل مكان، على الرغم من أنه من لم ينكر في أي مرة أي سوء ينال من السوريين.
كان الكاتب خالد خليفة يمارس تمارين الحياة كل يوم بين موتى، كما يذكر في أحاديثه الخاصة والعامة، كأنه يقول لنا لا موت أبديًا في سورية، الكل يستيقظون منه كأنه مجرد قيلولة صغيرة تحت ظل شجرة مشتعلة، بل كان كما يقول "يتقاسم معهم الموت"، لأن الموت ليس قدرًا وحسب في بلادنا، هو قوت يومي فرضته علينا حرب لعينة، رفض أن يكون وقودها، كما رفض الفرار من أرضها، وها هو يعود بعد كل أسفاره ليلقي بجسده في ترابها المحقون بكل أنواع الأسلحة، من حب الكراهية، إلى سكاكينها المفقودة.
شكراً خالد خليفة
إيناس حقي(رصيف 22، 2/10/2023)
حصلت منذ سنوات على منحة لدراسة الماجستير في الجامعة الأمريكية في باريس، وتعرفت إلى بروفيسور مختص بالمقاربات العربية للإعلام، ولكنه كان أكثر اطلاعاً على سياق الدول المغاربية.
في إحدى المرات، حيث كنت قد اجتمعت به بعد أحد الدروس لسؤاله عن أمر ما، قال لي معتذراً: "أعترف إنني مقصر بالمعرفة عن سوريا، ولكنني قرأت رواية لروائي لامع أعتقد أنه سوري، اسمها مديح الكراهية". اندفعت بحماس وقلت: "هذه رواية خالد خليفة"، وأضفت: "خالد صديقي وهو آتٍ قريباً إلى باريس لبضعة أيام، إن أحببت، أستطيع أن أعرفك إليه".
نظر إلي البروفيسور وهو يكاد لا يصدق: "حقاً؟".
وصل خالد إلى باريس، رويت له القصة، فقبل بكرمه المعتاد أن يفرغ بعض الوقت للقاء أستاذي. التقينا في مقهى باريسي، ووصل البروفيسور متهيباً لقاء الأديب، ولكن خالد بأريحيته حول اللقاء إلى جلسة حميمة بين أصدقاء.
خالد خليفة روى أحوال الموت السوري والخراب الشامل
لنا عبد الرحمن (اندبندنت عربية، 2/10/2023)
مثل رواية لم تكتمل، كان رحيل خالد خليفة، مؤثراً وصادماً، حزيناً وشاقاً على أحبائه وقرائه، ربما لإدراكهم أنه رحل تاركاً خلفه سطور كلمات ظلت عالقة بين فضائين، لم يتسن لها الوقت لتتجسد في واقع ملموس، فبقيت حبيسة صدر صاحبها ورحلت معه، هو الذي راوغ الموت في عبارات فاتنة، ثم استسلم له في لحظة مباغتة، ومن دون إنذار.
كتب خالد خليفة، على لسان أحد أبطال روايته "لم يصل عليهم أحد"، قائلاً: "الدم الذي يجري في عروقي كان لرجل ميت، نهضتُ، للمرة الأولى صنعتُ قهوتي، جلستُ قرب النافذة، كانت الشمس تغرب، كم هو ساحر مشهد الشمس حين تغرب، لون الليل يتغير مع كل لحظة، شعرتُ بخفة لا متناهية، كما يشعر كل الأموات حين يتورطون في العيش مع البشر".
كما لو أن ثمة جسوراً ربطته بالموت، بشكل أو بآخر، ليس على المستوى الإبداعي فقط، من خلال تصديره عنواناً لأحد رواياته "الموت عمل شاق"، أو طرحه بشكل موارب في "لم يصل عليهم أحد"، والمقصود في النص صلاة الجنازة، أو من خلال الحضور الفلسفي للموت في رواياته عبر تكرار الحديث عنه، سواء في
وصف الحالات التي تسبقه وتليه، أو في وصف المدافن وأحوال الأحياء في علاقتهم مع الموتى. هل رأى أن مواجهة الموت عن كثب ليست إلا مغامرة يمكن النفاذ منها، للكتابة عنها لاحقاً؟
رحيل الكاتب السوري خالد خليفة: حكايات الماضي الراسخ والخوف من المستقبل
محمد عبد الرحيم (القدس العربي،1/10/2023)
«ميلادي الشخصي قريب من استلام حزب البعث للسلطة في 1963 وبالتالي هناك في سوريا جيل كامل، عاش حياته وحتى الكهولة خلال هذه السنوات الخمسين، ولم يكن لتاريخ الولادة أي دلالة خارج سياقها، سوى الإشارة إلى بؤس هذا المولود الذي لم تكن أمه ترغب بهذا التقاطع بينه وبين الحزب» (خالد خليفة في حوار صحافي).
«دم الضحايا لا يسمح للطاغية بالموت، إنه باب موارب يزداد ضيقاً حتى يخنق القاتل» (لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة).
رحل الروائي وكاتب السيناريو السوري خالد خليفة (1 يناير/كانون الثاني 1964 ــ 30 سبتمبر/أيلول 2023) والذي شكّلت أعماله في السنوات الأخيرة الصوت الروائي السوري الأكثر صخباً وحدّة، نظراً لطبيعة هذه الأعمال وكشفها الكثير من حالات القمع السوري، وتسلط الحزب الأوحد ورجاله على الشعب، والتي يمكن أن تمتد إلى حالات مشابهة في الدول العربية، حيث لا صوت يعلو على صوت الحاكم. ومن ناحية أخرى تتداخل هذه الأعمال مع الحدث التاريخي ـ خاصة مدينة حلب مسقط رأس الكاتب ـ وهو ما يتماس بدوره مع تاريخ المدن السورية، أو بمعنى أدق إعادة تأريخ الحوادث من وجهة نظر روائية.
خالد خليفة.. عجالة الموت السوري
سومر شحادة(العربي الجديد،1/10/2023)
تُقرأ تجربة خالد خليفة، (1964 - 2023)، الذي رحل عن عالمنا مساء أمس السبت، على أكثر من مستوى؛ بدءاً من أدبه نفسه، الذي يمكن تقسيمه إلى ثلاث مراحل أوّلُها النسيج الشعري اللغوي في "حارس الخديعة" (1993)؛ أُولى رواياته، والعالَم الشاعري في "دفاتر القرباط" (2000)، وهو عالَم شاعري لأنَّ إحدى الشخصيات أرادت أن ترسم "الله". وانتهت تجربته إلى صياغة تآلف سردي من المادّة التاريخية كما في "لم يُصلّ عليهم أحد" (2019)، إذ قرأ، عبر الاستدلال التاريخي وبتآلف صنعه بنفسه، علاقات البشر والجماعات في الحاضر، ومروراً بما أعطى مشروعه الروائي تميّزه وحضوره، وهو تفكيك العنف الذي مورس على المجتمع السوري في الثمانينيات، كما في روايته الشهيرة "مديح الكراهية" (2006) وروايته التي حازت جائزة نجيب محفوظ "لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة"(2013)، والرواية التي كتبها عن الحدث السوري عينه "الموت عمل شاقّ" (2016).
إذاً، تتوزّع أعمال خالد على هذه المعالجات الثلاث التي تُظهر تمايزاً أسلوبياً بين مرحلة وأُخرى. وهو ينتمي إلى جيل تلى، بالضبط، جيل الواقعية الاشتراكية. وأدبه يعدُّ خلاصة لدروس مرحلةٍ سبقته. بهذا المعنى تُقرأ استمرارية تجربته على أنّها التفاتٌ إلى بُعدٍ لا يحمل ثقل الأيديولوجيا، ولا يحمل ثقل الرسالة بمعناها الوعظي، من غير أن يكون أدبه بلا رسالة.