الاثنين 20 فبراير - "سوريا يا حبيبتي" في مواجهة الزلزال
الزلزال و"سورية يا حبيبتي
سوسن جميل حسن (العربي الجديد، 7/2/2023)
سورية يا حبيبتي، أعدتِ لي كرامتي ... تقول الأغنية، في ما تقول: وبعثُنا يسير لمجده الكبير، مبشّراً بعودتي ورافعاً كرامتي مجدّدًا هويتي. وفي مقطع آخر: ففي الخيام طفلة المصيبة، تنادي يا سورّيتي الحبيبة، أعيدي لي حرّيتي ... أعيدي لي هويتي ... أغنية لطالما هزّت وجداننا، نحن في سورية، وفي كلّ بقعةٍ من الوطن العربي الذي كانت شعوبه قد تجرّعت الهزائم حتى الثمالة، لتندلع حرب تشرين في العام 1973، ولتنطلي الخدعة على هذه الشعوب، وتصدّق أن هناك من أعاد لها كرامتها، وحرّيتها، ويعدها بتجديد هويتها.
ولكن سورية "الحبيبة" اليوم تنهار بضربة زلزال، ليس زلزال انتفاضة الشعب التي كانت تتطلع إلى الاكتمال والنضج والثورة، وكما يطلق عليه الناقد السوري نبيل سليمان، لكنه زلزال الطبيعة، زلزال الأرض التي تميد من تحتنا، فتنهار البيوت ويزداد عدد ضحايا هذا الشعب المنكوب.
تلك الفاتورة الباهظة: مأساة سورية تسأل هل من مزيد؟
رشا عمران (ضفةالعربي، 10/2/2023)
ثمة مواعيد دائمة للسوريين مع الموت، مواعيد لا تتوقف ولا تنتهي، وإلا ما الذي جعل الزلزال الأخير يبدو كما لو أن أحدهم أرسله كصاروخ مُحمّل بمواد مدمرة أو كبراميل متفجرة نحو السوريين أكثر من غيرهم؟ هل تستغربون؟ كثر جدًا من ضحايا الزلزال في تركيا هم من السوريين، إذ حدثت حركة الأرض القاتلة في منطقة يتمركز فيها السوريون في تركيا، هي المنطقة الأقرب إلى سورية بكل حال، ليس فقط جغرافيًا بل أيضًا في العادات والتقاليد وحتى في اللغة، فمركز الزلزال كان ملاصقًا لإقليم هاتاي/ لواء إسكندرون، أو اللواء السليب، كما كان يطلق عليه في كتبنا المدرسية، قبل أن يصدر قرار رئاسي بإزالته من الخريطة السورية حين أصبحت العلاقات مع تركيا إستراتيجية إلى حد التنازل لها عن هذا الجزء المهم والحيوي من الجغرافيا السورية، لولا أن ما حدث خلال العقد الماضي جعل البعض من مؤيدي النظام يلوح بورقة اللواء والمطالبة به في المحاكم الدولية نوعًا من الضغط على تركيا التي أظهرت على ما يبدو التنازل الرسمي السوري للواء فسكتت الأصوات. لكن ذلك شأن سياسي، وغضب الطبيعة لا تعنيه السياسة ولا خصوماتها ولا تحالفاتها.
أيام في عهدة الزلزال
غسان شربل (الشرق الأوسط، 13/2/2023)
ما أصعبَ الكتابةَ عن الزلزال! يستحيل أن ترتقي اللغةُ إلى حجم الفاجعة. كلُّ كلامٍ ناقص. كلُّ كلام قليل. لا يستطيع أحدٌ توفير الأزهار لنهر الجنازات المتدفّق. لهذا السيل من المغدورين.
ما أقسى رائحةَ الغدر حين تفوح! إذا كان غدر الأفراد موجعاً، فكيف حين ترتكبه الأرضُ نفسها؟ الأرض التي نزعم أنَّها أمُّنا. ولحمُنا. وجذورنا. وتراثنا. الأرض التي لا يملّ الشعراءُ من التغني بها. ولا يمل الجنود من الموت دفاعاً عنها. والتي نرتضي ظلم العيش فيها خوفاً من رياح الغربة.
رائحة الغدر. فجع الذين اعتقدوا أنَّ السقوف تحمي. وأكل الرعب من تعلَّقوا بالجدران بذريعة أنَّها ترد. صحيح أنَّ القسوة ليست زائراً غريباً في هذا الجزء المؤلم من العالم. وأنَّ الموت يأتي أحياناً أو دائماً ويصطاد ما يصطاد. بطائرة أو مسيّرة أو قذيفة مدفع. لكن الصحيح أيضاً أنَّ القتل هذه المرة كان أوسعَ، وترك فوق الأنقاض وتحتها حقولاً من الجثث.
سورية... من يعزي فاقداً عمن فقد؟
باسل عليا (العربي الجديد، 11/2/2023)
هنا في إحدى قرى ريف اللاذقية المنكوب، عند الساعة الرابعة وعشرين دقيقة صباح يوم الاثنين 6 فبراير/ شباط، صرخ والدي: "يا أولاد هزة أرضية قوية... اهربوا إلى خارج المنزل".
بسرعة، خرجنا وبدأنا نتأرجح بقوة، ونحن نمسك بعضنا بعضاً، وفي هذه اللحظة، بدأ ولدي يوسف بالصراخ: "يا الله نحن نحبّك لا تموتنا".
في هذه اللحظات العصيبة، كان الطقس بارداً جداً، والأمطار غزيرة، والرياح شديدة، حيث دام الزلزال ثمانين ثانية، كانت بالنسبة لنا ثمانين دقيقة، ثمانين ساعة، وثمانين سنة. في ثمانين ثانية، قامت القيامة وحبست الأنفاس على صوت نباح الكلاب ونقنقة الدجاجات. في ثمانين ثانية، تغيّرت صورة المنطقة من منكوبة جرّاء الحرب إلى منكوبة ومقلوبة رأساً على عقب جرّاء الزلزال.