الثلاثاء 17 أكتوبر 2023 - في رحيل الروائي والإعلامي السعودي هاني نقشبندي
رحيل هاني نقشبندي: في تفاعل الرواية مع تاريخ الأندلس
عبد الرحيم العلام (ضفة العربي الجديد، 11/10/2023)
رحل الروائي والإعلامي السعودي هاني نقشبندي عن عالمنا، بشكل مفاجئ للأوساط الثقافية والإعلامية العربية، وذلك يوم 24 أيلول/ سبتمبر 2023، مخلفا للمكتبة العربية مجموعة من الروايات والكتابات المفتوحة حول قضايا مختلفة، بحكم اشتغاله، لفترة مهمة، في الصحافة والإعلام المكتوب والمرئي.
ومن بين روايات هاني نقشبندي التي أثارت الجدل وتعرضت للرقابة والمنع، منذ لحظة صدورها، نذكر روايته الأولى "اختلاس" (2007)، وفيها يتطرق لواقع المجتمع السعودي في صورته المحافظة المنجذبة إلى موروث يجدد سطوته، الموسومة بالتناقض والشيزوفرينيا، على مستوى ما يطاول المرأة من إهمال وما يعيشه الرجل من سلطة مطلقة، وروايته الثانية "سلام" (2009)، وفيها يتفاعل الروائي مع تاريخ الأندلس، من زاوية مغايرة، وذلك على مستوى طبيعة الرؤية إلى تاريخ الأندلس، كما سيأتي.
بعد هاتين الروايتين، صدرت للروائي الراحل مجموعة أخرى من الروايات، كان آخرها رواية "قصة حلم"، التي تحولت إلى مسلسل تلفزيوني، وهي روايات، تتفاوت موضوعاتها وتتعدد، بين التطرف الديني، والتعصب والكراهية، والحياة والموت، والأنا والآخر، وغيرها من القضايا...
هاني نقشبندي... مرآة التحوّلات العاصفة
إبراهيم عادل (المجلة، 03/10/2023)
رحل عن عالمنا مساء الأحد الماضي الإعلامي والصحفي والروائي السعودي هاني نقشبندي، بعد رحلة عامرة في بلاط صاحبة الجلالة عمل فيها رئيسا لتحرير مجلتي "المجلة" و"سيدتي" ، كما ساهم في تأسيس مجلة "الرجل"، وقدّم برنامج "حوار هاني" على شاشة تلفزيون دبي ناقش فيه عددا من القضايا الفكرية والسياسية، كما اشتملت رحلته على طواف بين عوالم الروايات، وكان الراحل يرى أن تجربته في الصحافة والإعلام ساهمت في إثراء موهبته الأدبية، وعلى الرغم من أن أعماله لم تتجاوز السبع روايات إلا أنه استطاع من خلالها ترك بصمة لا تنسى في الرواية السعودية والعربية، وأن يعرض مشكلات المجتمعات العربية ويواجه بكل جرأة عددا من العادات والتقاليد الراسخة التي تكبّل المجتمع وتحدّ من انطلاقه وتحرره. في ما يلي عرض لهذه الروايات وما تناوله فيها من أفكار وقضايا.
اختلاس .. دفاع عن المرأة
منذ روايته الأولى "اختلاس" التي صدرت في 2007 ومنعت من التداول في عدد من البلدان العربية بدت رغبة هاني نقشبندي واضحة في فتح الآفاق للمرأة السعودية ودفعها نحو الانعتاق من قيود المجتمع، فرسم نموذجا للمرأة السعودية التي تسعى للتحرر حتى أنها تبدأ في مراسلة صحفي سعودي يرأس تحرير مجلة نسائية في لندن، وتفضي إليه بكل أفكارها وهواجسها بل تصل إلى حد الاعتراف له بخطاياها، في المقابل نتعرّف على ذلك الصحفي السعودي الذي يعيش حياة الحرية والتحرّر في بلاد الغرب، ولكنه لا يزال أسير نظرته الذكورية الشرقية للمرأة، وكيف يفكر فيها ويتعامل معها، على الرغم من تعدّد علاقاته واختلاف تجاربه.
أريد أن أموت فارغاً: هاني نقشبندي في رسائله
إبراهيم الكوني(سكاي نيوز عربية، 14/10/2023)
الصديق الغالي والأحب أستاذنا إبراهيم الكوني
آمل أن تصلك رسالتي هذه وأنت والعائلة الكريمة بأفضل حال
أحببت أن أهنئك بشهر رمضان المبارك
أعاده الله علينا جميعا ونحن في أفضل حال
أتمنى أن تكون أمورك بخير
طمئنّا عنك أيها الصديق النبيل
دمت بخير
إلى الإنسان الأنبل من بين كل من عرفنا الأعزّ هاني
أسعدتني تهنئتكم بحلول الشهر الفضيل، وأسعدنا أكثر أن تكونوا وأسرتكم بخير، لأننا في الآونة الأخيرة لم نتسقّط أخباركم إلاّ من العزيز عمر برغم الشوق إلى الحديث إلى خلّ أصيل وضعه إمام الحكمة أفلاطون رأساً للسعادة في دنيا يندر فيها وجود الصديق، فكيف بالأصالة في الصديق؟
كم تمنينا أن تزورونا في فردوسنا المستعاد (جنوب برشلونة) الذي كنتم السبب في استجارتنا به منذ ثلاث سنوات، ولم تخذلنا في شأنه وصيتكم، كما لم تخذلنا وصاياكم في أيّ أمرٍ سواه.
الأيام تُدبر، والعمر يتبدّد ولا نقتنص من باطل الأباطيل هذا سوى جلسة مع إنسان مثلكم نسرقها خلسةً من نهر الزمان الذي لا نعبره مرّتين، بل ولا نستطيع أن نعبره ولا مرة واحدة!
فإذا أعجزكم أن تمنّوا علينا بإطلالة ، فإن الله سيكون في عوننا إن شاء، فنعمل ما بالوسع لكي نذهب إلى محمد في عقر داره إذا لم يستجب الجبل فيذهب إلى محمد كما يقول النصارى عن نبيّنا الكريم!
الحديث ذو شجون والأمل في لقاء قريب، فلا نملك إلاّ أن نحييكم مرة أخرى ونحيّي أسرتكم النبيلة، آملين أن يجعل الله من سليلكم خير خلفٍ لأحسن سلف، ويُمهلكم ليترعرع في كنفكم إلى أن تنعموا برؤية أحفاده أيضاً لا أبنائه فقط
القلمُ يَئنّ: هاني نقشبندي في رسائله
إبراهيم الكوني(سكاي نيوز عربية، 08/10/2023)
هاني أوّل فارسٍ عمل على تحويل الحجر في معشوقته «دبي» إلى شِعر، والأسمنت في ناطحات سحابها إلى سِحر، عندما قاد حملة لاستنزال الروح في واقع هذه الظاهرة الأسطورية، في عالم المعمار، التي استثمرت التقنية في تحويل الصحراء فردوساً مجسّداً في أرض.
فهو، باعتراف كل من عرفه، طيفٌ آلى على نفسه أن يسخّر نفسه لقضاء حوائج الأخيار، بل وكلّ الأغيار، ليعتنق هذا الخيار ديناً في كل تجربته، لينتدبه في حياته واجباً، إلى حدٍّ يثير الشكوك، بالنسبة لأناسٍ لم يعتدوا، في واقعٍ يهيمن عليه النفع، أن يتلقّوا هباتٍ روحيّة، أو دنيوية، بدون تسديد مكوس، لأن من أين لهم أن يخمّنوا وجود إنسانٍ، العطاء في وجوده طبيعةٌ ثانية؟
هذا الجود في أخلاقيات الرجل هو ما فاض على الواقع المكاني، فيعامل الأمكنة، حيثما حلّ وطناً، يرى دوماً أنه مدينٌ له مسبقاً، وعليه أن يدفع ضريبة وجوده في رحابه؛ وهو ما لمسناه في مسلكه، عندما اختار «دبي» مقاماً، بل ربّما هي التي اختارته لتكون له وطناً، بديلاً لوطنه الأمّ، الذي يعترف الجميع أنه كان له السفير الأنبل منزلةً وخلقاً ووعياً وثقافةً وحبهاً، من بين كل سفراء السعودية في أرض الله الواسعة. وهي شهادة عبّر عنها في تجربته الحرفية، قبل أن يعبّر عنها بروحٍ فروسيّة، في تجربته الإبداعيّة.