Vous êtes ici : Accueil / Littérature / Classique et Nahda / Revue littéraire / حنا دياب : الحلبي الذي أكمل الليالي الناقصة في "ألف ليلة وليلة" - Revue littéraire

حنا دياب : الحلبي الذي أكمل الليالي الناقصة في "ألف ليلة وليلة" - Revue littéraire

Par Lama Zoudi : Etudiante en Master 2 Traduction et Interprétation / parcours TEL ( Traduction et Édition Littéraire) - Université Lyon 2
Publié par Lama Zoudi le 21/03/2023

Activer le mode zen PDF

تسعى هذه الورقة إلى تسليط الضوء على الحلبي حنا دياب الذي أكمل كتاب "ألف ليلة وليلة" بحكايات " علي بابا " و" علاء الدين "،وقد جاءت إشاراتٍ عديدةً إلى حنا دياب في يوميات المستشرق الفرنسي أنطوان غالان إذ تعرف عليه خلال الرحلة التي قام بها الحلبي إلى فرنسا. ودون هذا الأخير ما شاهده في مخطوطة يعود الفضل في اكتشافها إلى المستشرق الفرنسي جيرون لنتان، الذي أعلن سنة 1993 في إطار بحثه عن اللغة الدارجة عند العرب، عن وجود مخطوطة محفوظة في مكتبة الفاتيكان كاتبها حنا دياب مكتوبة باللغة "العربية الوسطى"وهي مزيج من اللغة الفصحى واللغة الشامية المحكية في حلب وصدرت الترجمة الفرنسية بعنوان "من حلب إلى باريس" أما النص العربي فقد صدر في 2017 مما أعاد اسم حنا دياب إلى دائرة الضوء من جديد

1. مخطوطة حنا دياب،  وثيقةً نادرة عن أحوال المجتمع الفرنسي أوائل القرن الثامن عشر

"من حلب إلى باريس".. نص مجهول لحنا دياب ( الجزيرة، 16/07/2015 ) نعرف الكاتب السوري حنا دياب من خلال ما ذكره عنه المستشرق الفرنسي أنطوان غالان في يومياته، بشأن مساهمته القيمة في كتاب "ألف ليلة وليلة" الذي وضعه غالان في مطلع القرن الثامن عشر. لكن ما لا نعرفه عنه هو أنه كتب نصا طويلا عام 1766 روى فيه تفاصيل سفره إلى باريس بين العامين 1708 و1710.

وتجدر الإشارة بدايةً إلى أن هذا النص بقي مجهولا إلى أن اكتشف الباحث الفرنسي جيروم لانتان مخطوطته الوحيدة في مكتبة الفاتيكان عام 1993. ونظرا لقيمته الأدبية والتاريخية، تعاون لانتان مع بول فهمي تييري وبرنار هيبيرجي سنوات طويلة لنقله إلى الفرنسية، قبل أن تصدر هذه الترجمة أخيرا عن دار "أكت سود" الباريسية بعنوان "من حلب إلى باريس".

ولا عجب في انتماء هذا النص إلى أدب الرحلة الذي كان ممارسا في سوريا في القرنين السابع عشر والثامن عشر، خصوصا من قبل المسيحيين، كما يشهد على ذلك نص بطريرك الروم الأرثوذكس ماكاريوس الزعيم عن سفره إلى جورجيا، أو نص ابنه بولس عن سفر والده إلى موسكو، أو نص الكاهن العراقي إلياس الموصلي عن إقامته الطويلة في أميركا.

الفصحى والمحكية :

لكن ما يميز نص "من حلب إلى باريس" عن هذه النصوص وغيرها هو أن صاحبه إنسان عادي لم يكن لديه أي طموح في ممارسة هذا النوع الأدبي واحترام مميزاته، فبخلاف النصوص المذكورة أو نص شيخ دمشق عبد الغني النابلسي، أو نص رفعت الطهطاوي الشهير "ذهب باريس"، لم يسعَ دياب إلى إثراء نصه بمراجع ثقافية غزيرة أو باقتباسات وأبيات شعرية، كما لم يسعَ إلى الكتابة بأسلوب أدبي منمّق، بل استعان بلغة هي عبارة عن مزيج من اللغة الفصحى واللغة المحكية في حلب، مسقط رأسه.

وما يميّز دياب أيضا عمن سبق ذكرهم هو أنه لم يقم برحلته تأديةً لمهمة، كما هو حال الطهطاوي ومحمد أفندي، أو بهدف التقصي في "بلاد المسيحيين"، كما هو حال الموصلي والزعيم وعدد كبير من رجال الكهنوت الشرقيين، فسفره هو نوع من الرحلة المسارية لشاب كان يبحث عن طريقه، ونصه مكتوب كتأمل في الحياة التي منحته في شبابه فرصا مختلفة لم يعرف أو لم يشأ اغتنامها.

وفي هذا السياق، يبدأ دياب نصه بسرد تجربته راهبا مبتدئا في دير بجبل لبنان لن يلبث أن يعود إلى حلب بعد شكّه في دعوته. وحين يفشل في العثور على عمل ويقرر العودة إلى الدير، يلتقي بالرحالة الفرنسي بول لوكا الذي يأخذه مساعدا في سفر يقودهما إلى بيروت وصيدا، ثم إلى قبرص ومصر وليبيا وتونس، قبل أن يعبرا المتوسط ويتنقلا بين ليفورن وجنوى ومرسيليا وباريس.

أما رحلة العودة فستتم من دون لوكا ويتوقف دياب خلالها في مرسيليا وإزمير وإسطنبول حيث يبقى فترة طويلة، قبل أن يعبر الأناضول مع قافلة في اتجاه حلب.

باريس كما رآها حنا دياب في 1707 ( القدس العربي، 27/10/2016 ) بول لوكا مبعوث الملك لويس الرابع عشر إلى الشرق، التقى حنّا دياب في مدينته حلب. كان هذا الأخير يجيد التكلم بالفرنسية فأقنعه لوكا بمرافقته في رحلته ووعده، عند وصولهما إلى بهريس (باريس) بتعيينه في الجناح العربي في المكتبة الملكية. وهكذا أتيح للحلبي دياب أن يجوب بين 1707 و1709 أماكن كثيرة على المتوسط، بينها صيدا وقبرص ومصر وطرابلس الغرب وتونس، ثم ليفورنو وجنوا ومرسيليا وباريس، انتهاء في بورساليا حيث استقبله الملك.

طوال الرحلة التي استغرقت السنتين كان دياب خادما مطيعا لبول لوكا، وهو يطلق عليه صفة «معلّمي» بالعامية الحلبية. قلما تخطّت العلاقة بينهما ذلك التباعد الذي بين السيّد والخادم فكانا، في جميع الأماكن التي قصداها وأقاما فيه، ينامان كل في مكان ويأكلان منفصلين، لوكا مع القناصل والبكوات والأمراء ودياب مع مرافقيهم وخدمهم.
من بين المهمات التي كُلّف لوكا بها، إضافة إلى اطّلاعه على أحوال تلك البلاد، وتدوين مشاهداته عنها، جَمْعَ ما أمكن له من اللقى والأحجار النادرة والتحف من تلك البلدان. في مصر، وهي المكان الزاخر بأشياء مثل هذه اشترى لوكا قطعا نادرة يعود أكثرها إلى عصور الفراعنة، وبأثمان بخسة إلى حدّ أذهله ولفت انتباه مرافقه.
حنا دياب يصف بالتفصيل شراء إحدى المومياءات وبأي عناية وسرّية جرى نقلها إلى منزل القنصل الفرنسي في القاهرة وتسفيرها بعد ذلك إلى مرسيليا، المكان الذي تُحمل إليه كل البضائع المرسلة من تلك البلدان، التي سيتسلّمها المبعوث لوكا فور وصوله إلى مرفئها. كان المبعوث الفرنسي محميّا في أرجاء البلاد كلها، يتنقّل بينها بثقة لا يعترضه أحد من ساكنيها أو حكّامها أو زعّارها. يتراءى لمن يقرأ وقائع رحلة الرجلين أن هناك شبكة حماية للمتنقّل الفرنسي يتولاها القناصل وموظفوهم، وكذلك حكّام تلك المناطق وأمراؤها. حنا دياب الحلبي المشرقي، تعرّض إلى الكثير من الاعتداءات، وكاد يقضي في بعضها لولا تدخّل معلمه. ومن بين المخاطر التي واجهها الرجلان مهاجمة القراصنة لسفينتهما، أو لسفنهما طالما أنهما ركبا البحر مرارا في تنقّلهما بين البلدان، ما يشير إلى أن السفر في البحر كان محفوفا بالخطر على الدوام. كان لوكا يدوّن ما يشاهده بعد ساعات من حدوثه، إذ ربما كان ذلك أحد أهدافه من القيام برحلته. حصيلة ما كتبه جاءت في ثلاثة مجلّدات، لم يأتِ في أيّ صفحة منها على ذكر مرافقه ومترجمه. ولم يَحْذُ حنا دياب حذو معلّمه، من قبيل التأثر أو المحاكاة، في الإسراع إلى تدوين يومياته. انتظر أربعة وخمسين عاما حتى يقوم بذلك، في سنة 1763 حيث كتب مقرّا بأنه رأى «إشيا كثيرة ما كتبتها ولا بقيِتْ في بالي». لكنه مع ذلك روى بتفاصيل مدهشة ما تذكّره من معالم بدت تفاصيلها أكثر تشعبّا ودلالة، مما كتبه مبعوثون رسميون ووزراء وملوك شرقيون زاروا بلدان أوروبا، ودائما من بعده، فهو إضافة إلى اندهاشه بالاختلاف بين العالمين الشرقي والغربي، في مظاهر عيش الطبقات العليا والحاكمة، عرف أيضا الكثير عن أوساط الفقراء، الذين أتيح له العيش بينهم. وتناول بوعي مدهش مسائل عامّة مثل التربية والتعليم والتنظيم المدني والجباية وتوزيع عائداتها إلخ، قبل ما يزيد على المئة عام عما صارت إليه باريس آنَ زيارة رفاعة الطهطاوي لها مبعوثا من حاكم مصر محمد علي.

"رائعة حنا دياب، المغامر الحلبي في بلاط لويس الرابع عشر (رصيف 22، 26/9/2017)التفت الملك وكل أكابر الدولة نحوي، وسألني واحد منهم عن اسم هذه الوحوش، فقلت له أنه في بلادهم يسمى جربوع، فأمر الملك بأن يقدموا لي قلم وقرطاز (قرطاس، الصحيفة التي يكتب فيها) حتى أكتب اسمهم بلساني". أما الملك الذي من شدة هيبته "ما بيقدر انسان يحقق النظر فيه"، فهو لويس الرابع عشر (ت 1717). "سلطان فرنسا" كما يسمّيه كاتب النص، حنا الماروني الحلبي، عندما قرّر أن يدوّن كتابةً ذكريات رحلته من حلب إلى باريس، وصولاً إلى بلاط مليكها وحاشيته، في مطلع القرن الثامن عشر. أما الكاتب فليس بكاتب محترف. ماروني من حلب، اسمه الكامل أنطون يوسف حنا دياب. كان في السبعين من العمر حين أخذ في تدوين رحلة شبابه هذه، في صحبة سائح فرنسي "ملكي" يدعى بول لوكا، من حلب إلى باريس. باريس التي يكتبها في معظم الأحيان "بهريس

حلبي ماروني و"جرابيع" في بلاط البوربون".

أمّا الجرابيع فهي بعض مما جلبه هذا السائح الملكي، بول لوكا، من رحلته في الشرق العثماني إلى البلاط الملكي الفرنسي.

والجرابيع من القوارض الليلية الصحراوية، لونها من لون الصحراء. حملها لوكا، أو بالأحرى مرافقه الترجمان حنا دياب، من صعيد مصر إلى "بهريس". مات خمسة منها في الطريق، وبقي اثنان، ويبدو أنّها أثارت تعجب واهتمام الملك، و"منسنيور الدلفين ابن الملك" (الذي "كان يقال عنه بأن أباه ملك وابنه البكر ملك اسبانيا وما هو ملك" كما يعرّفه حنا)، وأميرات البلاط، سيّما أنّ هذه الجرابيع الصحراوية لم تكن مذكورة في كتب الطبيعيات عندهم. يصف لنا حنا كيف تمازج الاهتمام و"التعجّب من خلقة" الجربوعين في القفص، وبين تفحّصه هو، "الشرقي حامل القفص"، الذي عرّفه بول لوكا للملك بأنّه "من بلاد سوريا، ومن الأرض المقدسة، وهو من طائفة الموارنة الذين استقاموا في الكنيسة البطرسية من عهد الرسل، وما انشقوا عنها إلى الآن".

لكن الرابطة الدينية الكاثوليكية التي تجمع حنا دياب بأهل بلاط لويس الرابع عشر، لم تحل دون تعجبّهم من شواربه و"القلبق" الذي يعتمره، "فتركوا فرجة الوحوش (الجرابيع)، و"صاروا يتفرجوا عليّ وعلى ملبوسي ويضحكون"، فـ"لماً تفرجوا على الوحوش، وعليّ أيضاً، أرسلوني إلى عند أميرة أخرى، ومن هناك إلى عند غير أميرة"، وظلوا يأخذونه من مكان إلى آخر "إلى ساعتين بعد نصف الليل". صعب على أميرات فرنسا تمييز هذا الماروني عن المسلمين. "تعالوا تفرجوا على سيف المسلم!" قالت إحداهن، فارتكب حنا محظور الجواب بأنّه سكين لا سيف. وهذا كان ليودي به إلى التهلكة، لأنّ الدخول على البلاط بسكين، يفيد نيّة الغدر، في حين أن الدخول عليه بسيف أو "سيخ" كما يسمّيه حنا، أمره مختلف. كان هذا هو "ثاني خطأ بروتوكولي" يرتكبه عمّنا حنا في بلاط آل بوربون، ويجري التسامح معه. الأوّل كان أكثر وقاحة: أخذ الشمعدان من يد "الملك - الشمس"!

فحمة تييري: اكتشاف مخطوطة حنا دياب أثر كثيرًا في مجال دراسة ألف ليلة وليلة ( الفيصل، 06/11/2016 ) هذا الحوار مع بول فحمة – تييري التي ترجمت نص حنا دياب، ووجدت في لغة حلب، وبشكل سردي، طفولته الماضية.

• كيف كان لقاؤك مع هذا المخطوط المدهش؟

– يندرج هذا العمل في إطار أبحاثي حول أدب الرحلات ضمن المخطوطات العربية للقرنين السابع عشر والثامن عشر، التي عثرت فيها على نص حنا دياب. سبق لي أن عملت على مخطوطة مشهورة للبطريرك مكاريوس في روسيا سنة 1653م. مكنتني بعض المخطوطات الشرقية من التعمق في هذا النوع من الأدب في إطار سلسلة ندوات المدرسة التطبيقية للدراسات العليا بفرنسا. في سنة 2009م، عرض عليَّ برنار هيبرغي هذا المخطوط الطويل، الذي كتب بلهجة مسقط رأسي وظل غير منشور. في البداية كنت أريد أن «ألقي نظرة» فقط. وبالفعل، ألقيت نظرة وعكفت أربع سنوات على ترجمة هذا المتن الرائع.

• من هو إذًا حنا دياب؟ وما الذي يمكن أن تقوله لنا حول أسلوب كتابته وحوله كرجل وراوٍ؟

– بداية، أود أن أعبر عن سروري الكبير لسماعي واستماعي لهذا الرجل الذي يتجول في العشرين من عمره، ويحكي مغامراته التي دامت أكثر من ثمانين سنة. إن قصة هذا المستأجر الشاب لدى أحد التجار الكبار والمستقر في مدينة حلب السورية غير عادية. يحظى بتجربة رهبانية بلبنان، ويستأجره أحد الرحالة الفرنسيين – بول لوكاس – سرًّا، ويتعرف في زيارته إلى الخازن، جامع الضرائب من المسيحيين والموالي للعثمانيين، ويتوجه نحو الصعيد المصري، ثم ليبيا، وتونس، وإيطاليا، مواجهًا العواصف ومتحديًا القراصنة وصولًا إلى مرسيليا الفرنسية. ويتوجه نحو مدينة باريس، ويقدم إلى الملك لويس الرابع عشر أحد اليربوعيات غير المعروفة لدى هواة العلوم في ذلك العصر، ويظل سنة قبالة جسر سان ميشيل، ويلتقي أنطوان غالان الذي كتب له ألف ليلة وليلة. لم تكن في جعبة غالان في تلك المدة أي حكايات، لذلك طلب من دياب أن يزوده بها. لم يتردد حنا في ذلك، ونقل له من المشرق الشهير بعض الحكايات المشهورة منها «علي بابا» و«علاء الدين»، التي ستعرف نجاحًا باهرًا. كتب حنا دياب بلغة مألوفة واعتيادية، تشبه إلى حد كبير لغة طفولتي، منذ أكثر من ثلاثة قرون. استثمر مرونة اللهجة العامية لاستعادة الأوضاع، وبشكل عنيد أحيانًا. ابتكر طرائق الملاحق وصيغًا جديدة من الكلمات التي عبرت عن مشاعره بشكل ممتاز. فيما وراء مهاراته الروائية، تظل كتابته فريدة من نوعها: يتحدث عن مخاوفه، وملذاته واندهاشاته.

•  يمكن أن نقول: إن حنا دياب رجل «عادي». ما دوافع رحلته العجيبة؟ ولماذا قرر أن يحكيها بعد سنوات من عودته؟

– إنه بالتأكيد «رجل عادي»، وخادم، وطباخ وعامل تنظيف، تعلم القراءة والكتابة بالفرنسية، لدى تجار حلب، لكنه اكتسب بعض المواهب. إنه أصغر أشقائه المسيحيين الذي بنى شبكات ارتقائه الاجتماعي. لم تحد خياراته الحياتية عن المعايير ولم تعقد عملية ارتقائه الاجتماعي. لكن، وبفضل جرعة من العصيان، بحث عن طريقه الخاص: غادر حلب سرًّا؛ لأن إخوته «لم يكونوا ليسمحوا له بالذهاب» كما يقول. وفي الصعيد، رد على رسول أبلغه برسالة تهديد تدعوه إلى العودة إلى حلب قائلًا: «أنا الآن رجل يحدد مساره بيده». عندما سأله رئيسه المستقبلي حول رحلته، رد بنبرة قوية، بأنه يريد «استكشاف العالم». صحيح أن الكتابة المتأخرة لهذه الرحلة، بعد خمسين سنة من وقوع الحدث، مدهشة للغاية، لكنني أتفق من جهتي مع مسار فكري دشنه أحد الجامعيين الألمان الشباب الذي يميز بين شخصين لدى حنا دياب: الراوي والمسافر. ترتبط قصة المسافر بالمغامرات والتقلبات، على حين أن كتابة الراوي هي انعكاس ذاتي: «وثيقة أنوية». بهذا المعنى يصبح المؤلف مدخلًا نحو الحداثة.

• ما الاكتشافات التي نتحصل عليها من خلال قراءة هذا النص؟ ما الذي يخبرنا به حول العالم والمجتمع وزمن كتابة النص؟

– يعد هذا النص فخر الوصف الكلاسيكي، حيث يركز على ما يفاجئ عادة المسافرين الشرقيين إلى الغرب: الآلات المنظفة لميناء مرسيليا، أو الساعة الفلكية بكاتدرائية سان جان في ليون على سبيل المثال لا الحصر. كما يروي حنا اكتشافه لاستخدام الأواني في الغرف، واعتياده على استعمال مراحيض مجهزة بالماء الجاري، وأعجب بتنظيم الإنارة بباريس، ويعلمنا التحضر. كما نشير أيضًا إلى ثابت آخر لهذه القصة، والمرتبط بلقاء حنا بالشرقيين في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط.

• ما الذي نتعلمه حول ألف ليلة وليلة؟

– لقد أثر اكتشاف مخطوطة حنا دياب بشكل كبير في مجال دراسة ألف ليلة وليلة. سمحت هذه القصة واليوميات الباريسية لغالان بالتحقق من أصل هذه الحكايات، التي أعاد كتابتها بنفسه، وربط هويتها بـ«حنا الماروني» كما تظهر في يوميات غالان. ظل نص حنا هنا مجهولًا لوقت طويل. يتعلق الأمر إذًا بأصل شفهي للقصص المكتشفة كما وردت لدى حنا دياب، ويمكننا أن نتحدث عن «عنصر فرنسي- سوري» لحكايات ألف ليلة وليلة. هناك طريقة أخرى للربط بين حنا دياب والقصص، وتكمن في إتقانه فن الحكي، وبخاصة قدرته على تضمين السرد خصائص ألف ليلة وليلة.

2.  حنا دياب أكمل الليالي الناقصة بحكايات " علي بابا " و " علاء الدين "

عن الماروني الحلبي الذي اخترع "علي بابا " ( المدن، 13/03/2017 ) انتهى المترجمان محمد مصطفى الجاروش وصفاء جبران، من تحقيق ومراجعة نص مخطوطة "حنا دياب"(*)، رجل مسيحي، ماروني من حلب، رافق بول لوكا - مبعوث من قبل الملك الفرنسي لويس الرابع عشر – في رحلة الى "البلاد الشرقية". أما الرحلة فكانت بين 1708 و1710 وانتهى وانتهى حنا من كتابتها في 1764.

والرحلة سبق أن صدرت في كتاب عن  منشورات اكت سود في باريس ، ترجمه إلى الفرنسيّة وحقّقه وعلّق عليه بول فحمة - تييري وبرنار هيبيرجي وجيروم لانتان. وقد تُرجم النصّ عن مخطوطةٍ فريدة محفوظة في مكتبة الفاتيكان، وكتب عنها  الباحث اللبناني أحمد بيضون  وغيره من الكتاب، كان حنّا دياب في العشرين من عمره حين غادر حلب إلى طرابلس فصيدا فقبرص فمصر فليبيا فتونس، ومنها إلى ليفورنا في ايطاليا، ثمّ إلى جنوة فمرسيليا. مرّ بعد ذلك بمدينة ليون في طريقه إلى باريس حيث استقرّ زمناً، وتعرّف إلى معالمها، واطّلع على جانبٍ من حياتها الثقافيّة (الأوبرا مثلاً)، واشتهر أمره حتّى أنّه استُقبل في قصر فرساي، بلاط الملك لويس الرابع عشر. وحنا دياب. بحسب  بول فحمة – تييري: ("رجل عادي"، وخادم، وطباخ وعامل تنظيف، تعلم القراءة والكتابة بالفرنسية، لدى تجار حلب، لكنه اكتسب بعض المواهب. إنه أصغر أشقائه المسيحيين الذي بنى شبكات ارتقائه الاجتماعي. لم تحد خياراته الحياتية عن المعايير ولم تعقد عملية ارتقائه الاجتماعي. لكن، وبفضل جرعة من العصيان، بحث عن طريقه الخاص: غادر حلب سرًّا؛ لأن إخوته "لم يكونوا ليسمحوا له بالذهاب"، كما يقول. وفي الصعيد، رد على رسول أبلغه برسالة تهديد تدعوه إلى العودة إلى حلب قائلًا: "أنا الآن رجل يحدد مساره بيده". عندما سأله رئيسه المستقبلي حول رحلته، رد بنبرة قوية، بأنه يريد "استكشاف العالم").والطريف،  بحسب صفاء جبران،  أن المخطوطة مكتوبة باللغة "العربية الوسطى" وتغلب عليها اللهجة الشامية (والتي ما زالت تسمع في لبنان) وفيها الكثير من العبارات الإيطالية والفرنسية والتركية. وتقول جبران لـ"المدن": "يبدو أن اللغة التي استعملها حنا في تدوين مخطوطته تندمج بما يطلق عليه اللغويين المختصين اسم "اللغة العربية الوسيطة"، وتتضمن ألواناً لغوية عديدة ظهرت في نصوص عديدة على مدى تطور اللغة. وأن من كتب هذه النصوص ينظر الى العربية كنموذج مثالي لكنه يفشل في استخدامها فتتدخل العامية في نصوصهم بحيث تقترب بنيتها غالباً إلى اللغة العامية ذاتها. ولذلك فلا يمكن اعتبار هذه النصوص مكتوبةً بالعامية نظراً لتجلي المحاولة فيها للتقرب من الفصحى في الأساس، كما لاحظ فرستيغ. 

ويمكن إدراج لغة حنا في العربية الوسيطة فهي نموذج من اللغة العربية باللهجة الشامية كما كانت متداولة في القرن الثامن عشر، خصوصاً في الكلمات والعبارات، ولوّنها بأشكال من الفصحى وربما لعدم إلمامه بقواعد الفصحى وكتابتها، فقد جاءت لغة حنا بهذا الشكل الممتع العفوي والأليف. لكن لا أعتقد انه يمكننا ان نشبهها باللغة العربية البيضاء المعتبرة " لهجة وسطى بين الفصحى العامية وهي أرفع من هذه وأدنى من تلك" فليس في لغة حنا ما يقيدنا بهذا التحديد". وتضيف جبران "هذا من جهة اللغة أما من جهة الكتابة والتدوين فمما يثير الفضول والاعجاب هو كيف يكتب نفس الكلمة بحروف مختلفة ومرارا عدة على نفس السطر كـ باريس-بهريس-بهريس، اما ما لفت نظرنا هو أن الاستغراب الذي يشعر به القارئ في البدء سريعا ما يتحول الى قراءة ممتعة خاصة عند استعامله كلمات اعتاد سمعنا عليها من كثرة استعمالها من قبل اجدادنا فطالما سمعت جدي وجدتي يقولان: "طسكرة، بوغاز، ناولون، أخور، خرستانه وططلي وتتن ومغيّر حلاسه".

وليس من المبالغة اعتبار "رحلة حنا دياب وثيقةً نادرة، لعلّها الأولى من نوعها، عن اكتشاف أوروبا من قبل عربيّ مشرقيّ.

سيرة رحالة عربي أم عمل مترجم فرنسي.. كيف تشكلت حكاية علاء الدين الأسطورية بين حلب وقصر فرساي؟ ( الجزيرة، 12/11/2021 ) تعود حكايات "ألف ليلة وليلة" مثل "علاء الدين" و"المصباح السحري" و"علي بابا" و"الأربعون لصا" و"رحلات السندباد البحري السبع"، إلى مزيج تراثي من القرون القديمة والوسطى يعود بدوره إلى إرث تاريخي وتراجيدي وكوميدي وأسطوري للشعوب العربية والفارسية والهندية والمصرية وبلاد الرافدين وغيرها.

وتنطلق أحداث حكاية علاء الدين في عاصمة واحدة من الممالك الصينية الشاسعة والمزدهرة، ولكن بحسب المترجمة التي نقلت القصة إلى اللغة الإنجليزية، فإن الجذور السورية لمغامرة علاء الدين تجعلها قطعة أثرية ثمينة من هذا البلد الذي دمرته الحرب.

أنطوان غلان وحنا دياب

ويقول الكاتب ريتشارد ليا في التقرير الذي نشرته صحيفة "غارديان" (The guardian)  البريطانية، إن المترجمة السورية الفرنسية ياسمين سيل هي أول امرأة تقوم بترجمة كاملة لكتاب "ألف ليلة وليلة" من مصادره الفرنسية والعربية.

ويشير الكاتب إلى أن قصة علاء الدين والمصباح السحري نشرت للمرة الأولى في العام 1712، ضمن كتاب ألف ليلة وليلة للأديب الفرنسي أنطوان غالاند، وتدور أحداثها حول الثراء وجمال العالم الخلاب، الذي جعل الباحثين على مدى قرون يتساءلون حول ما إذا كان هذا المستشرق الفرنسي فعلا ابتكر هذه الحكاية بنفسه.

ولوقت طويل اعتقد الباحثون أن القصص العربية التي رواها غالان كان مصدرها الشرق، ولكن مؤخرا ظهرت معلومات تؤكد أن رحالة وأديبا سوريا مارونيا يدعى حنا دياب، يذكره غالان بصفته مصدر قصة علاء الدين وأيضا قصة علي بابا.

وترى ياسمين سيل أن هذا الاكتشاف يعني أن حكاية علاء الدين هي منتوج حلبي، يأتي من هذه المدينة التي كانت حينها جزءا من الإمبراطورية العثمانية، تمتاز بالثراء والازدهار الثقافي والاجتماعي والعلمي، حيث كانت حينها طريقا تجاريا رئيسيا ومركز التقاء لمختلف الشعوب.

وبالنسبة للباحث باولو ليموس هورتا، الذي أنجز دراسة بعنوان "اللصوص الرائعون"، فحص فيها تلاقي الحضارات الذي أسفر عن ألف ليلة وليلة، فإن "مساهمة حنا دياب لا تعكس فقط الموروث السوري الذي حمله معه، بل أيضا انبهاره الكبير بالبلاط الفرنسي. إذ إن هذا الرحالة السوري التقى بأنطوان غالان في 1907 بعد أن جاب البحر الأبيض المتوسط مع جامع تحف فرنسية".

دياب في باريس

ويضيف هورتا أن "حنا دياب روى هذه القصص إلى غالاند في نهاية رحلته، التي كانت تهدف للبحث عن الكنوز والتي ميزتها زيارته بلاط الملك الفرنسي لويس الـ14".

3.هل قصة علاء الدين هي قصة حنا دياب ؟

علاء الدين الحقيقي جاء من حلب، سوريا ( وكالة الأنباء العربية البرازيلية، 09/06/2019 ) قسم كبير من الوقائع المركزية للقصة الخيالية التي أضيفت إلى قصص “ألف ليلة وليلة”، عاشها رحالة سوري. وهناك احتمال كبير أن يكون بناء شخصية القصة مستوحى من هذا الشخص، يقول أستاذ برازيلي يدرّس في أبو ظبي.

شاب من أصل عربي يطمح إلى حياة أفضل، وبتأثير التواصل مع أناس آخرين يهاجر وراء الكنوز ويعيش مغامرات رائعة. قصور وأميرات ومجوهرات ومصباح سحري يشكلون العناصر الأساسية في طريق هذه الشخصية الخيالية. نعم، إنه علاء الدين، بطل الرواية التي أُدرجت في قصص “ألف ليلة وليلة”. لكنه أيضاً حنا دياب، الشاب السوري من مدينة حلب، والذي هاجر إلى أوروبا سنة 1709، فتعرف على قصر “فرساي” وتقاسم القصص التي عايشها مع المترجم الفرنسي “أنطوان غالان”، الذي كان أول من ترجم ونشر كتاب “ألف ليلة وليلة” بلغة غربية.

ومن هذا اللقاء تنشأ لدى الفرنسي فكرة نشر رواية علاء الدين. لكن سجل الأحاديث التي دارت بينهما ضاعت مع الزمن. وفي الوقت الذي تطلق فيه شركة “ديزني” الفيلم الذي يتناول أحداث هذه الرواية الكلاسيكية، يحتفي أستاذ برازيلي بالقصة الأصلية التي اكتشفها بعد سنين عديدة من البحث المضني. فـ “باولو ليموس هورتا” متخصص في “ألف ليلة وليلة” ومحرر صيغة جديدة لرواية علاء الدين. وهناك العديد من القواسم المشتركة التي تربطه بوقائع القصة، التي طالما سحرته. فـ “هورتا” وقصة الشاب العربي نشأتا تحت تأثير مزيج من الثقافات المختلفة. [...]

هل هناك علاء الدين واقعي؟

النقطة الأخرى في البحث هي السمات المشتركة بين الرحالة الحلبي وعلاء الدين. وحول هذا الموضوع يقول “هورتا”: “لقد كان حنا شاباً في مقتبل العمر. لم يكن يتجاوز سن العشرين. كان أصغر اخوته سناً وأراد بيع الأقمشة في السوق. لكن الأفضلية كانت دائماً للأخوة الأكبر سناً. لذا قرر الهروب من البيت، وأخذه المغامر “بول لوكاس” إلى باريس. لكنهما خاضا مغامرات كثيرة قبل هذه الرحلة. وكان “لوكاس” أشبه ما يكون بـ “تومب رايدر” (Tomb Raider)، حيث كان يدخل الكنائس المهجورة لنهب موجوداتها وحملها إلى أوروبا”.

والصدف لا تتوقف عند هذا الحد. ففي الحكاية الأصلية هناك جنيين: أحدهما جني المصباح، والآخر جني الخاتم. وفي مذكراته يروي حنا أنه في أولى مغامراته مع “بول لوكاس” عثرا على مصباح وخاتم. و”لوكاس” نفسه لديه سمات مشتركة مع الشخصيات الشريرة في القصة الأصلية. وبينما تعيش أميرة قصة علاء الدين في قصر، فقد دوّن حنا في مذكراته حالة الذهول والانبهار الذي انتابته عندما رأى قصر فرساي. وعلق “هورتا” على ذلك قائلاً: “قد يكون قصر علاء الدين ترجمة للإنطباع الذي تركه قصر فرساي لدى شخص قادم من العالم العربي تم أخذه إلى القصر للتعرف على وجهة سياحية”.

ويرى الأستاذ أن التنوع الثقافي والديني يعكس واقع مدينة حلب التي كانت تستقبل آنذاك تجار وافدين من مختلف أصقاع الأرض، حاملين معهم عادات وتقاليد بلدانهم، لا سيما الآسيوية والأوروبية منها. ويعلق “هورتا” على ذلك قائلاً: “من جهة، نرى رهافة الإحساس والطابع الديني والإجتماعي المتنوع الذي يتمتع به الرحالة السوري، ومن جهة أخرى نلمس خبرة المترجم الفرنسي الذي كان قد سافر وتعرف على العالم العربي. لا يمكن القول بالضبط ما هي التفاصيل التي أٌخذت من أي من الرجلين”.

وماذا حدث للسوري، لعلاء الدين الواقعي؟ يجيب الأستاذ “هورتا” على هذا السؤال قائلاً: “قليلون هم الذين يطرحون هذا السؤال. لقد عاد بخيبة أمل شديدة من الوعود الكاذبة التي تلقاها في أوروبا. فغازل حياة النصب والاحتيال وتظاهر بأنه طبيب في اسطنبول لكنه أخيراً قرر العودة إلى حلب. ولحسن الحظ لدينا معلومات أخرى، إضافة إلى تفاصيل ووقائع الرحلة التي كتبها عندما ناهز السبعين من العمر. فسجلات التعداد السكاني في حلب تبين أنه عندما وافته المنية، كان حنا يملك إحدى أكبر بيوت مدينة حلب، وكان تاجراً ذائع الصيت. وبالطبع فقد استفاد من المعرفة التي اكتسبها ومن الإتصالات التي أجراها خلال رحلته لأوروبا، مما ساعده في حياته المهنية كبائع للأقمشة”.

حنّا دياب... مؤلف الظّل لأشهر حكايات "ألف ليلة وليلة" ( الأخبار، 10/06/2017 ) في متن مغامرته، سيأتي على ذكر كلمة «المجراوية»، و«مجراويتي»، وهي ضرب من القصص الشعبي الملحمي (ما جرى لي) على غرار سيرة الزير سالم، كأنه بذلك يضع نفسه في مقام البطل الشعبي، ولكن بتواضع، إذ يصف نفسه على الدوام بالفقير، وإذا به يمزج سردياً ما بين الحكواتي وبطل الحكاية في آنٍ واحد، ذلك أن الحكواتي يروي سيرة بطل ما، أما حنا دياب فيستعير مقعد الحكواتي في التشويق، كي يروي حكايته الشخصيّة بنفسه، باستعارات تخييلية غالباً، وبقالب سردي لا تنقصه الحبكة المتينة، فهل اطّلع على محتويات المكتبات الفرنسية، ووقعت بين يديه رواية ما، من روايات القرن الثامن عشر؟ في حال كان لديه بعض الإلمام بالحبكة الروائية، لمَ لا نعتبر أن مخطوطته هذه رواية عربية رائدة، أو محاولة في مقاربة معايير الرواية، أقله على غرار روايات الصعاليك التي كانت رائجة حينذاك في الأدب الفرنسي؟ فهو يذكر في السطر الأخير من مخطوطته عبارة موحية بقوله «نستغفر الله من الزيادة والنقصان»، كأنه يعترف بإضافة بعض الصور المثيرة بقصد زيادة جرعة الشغف بالمغامرة، ونسيان صورٍ أخرى لا تفيد مغزى السرد، وذلك تبعاً لتشكّل مفردات الحكاية ومتطلباتها في إعلاء شأن مهارة الراوي.

هكذا تتمازج سيرته الذاتية بسير الشخصيات التي قابلها أو ابتكرها في رفد حكايات «ألف ليلة وليلة»، من دون ارتباكات واضحة، أو ترهّل جمالي، أو تفكّك في البناء. هل نجازف حين نقول إننا حيال روائي عربي كان مجهولاً، اسمه حنا دياب، وقد سبق مواطنه الحلبي فرنسيس فتح الله مرّاش، صاحب رواية «غابة الحق» (1865) بقرنٍ كامل؟
ولكن لماذا حاول أنطوان غالان تغيير اسم حنا دياب في بعض يومياته إلى «جان ديبي»؟ أليس نوعاً من محو الأثر الأصلي لكاتب حكاياته؟ كما أن بول لوكا لم يذكره على الإطلاق في مجلدات رحلته إلى الشرق، رغم أن حنا دياب كان ترجمانه ورفيق رحلته الطويلة. على الأرجح، كان المعلم غاضباً من الترجمان إثر مغادرته بيته والانسياق وراء وعود أنطوان غالان الوردية للرحّالة الحلبي. وفي المقابل، سيمحو حنا دياب نفسه اسم غالان من نصّه الطويل مكتفياً بتسميته «الاختيار» رغم تشابه اسميهما، ذلك أن الاسم الكامل للأول هو أنطون يوسف حنّا دياب، ليس بسبب النسيان، كما يظن بعضهم، فهو يتذكّر حوادث عابرة، ومحتويات مائدة عشاء، وأسماء أقل أهمية، في مسار رحلته الباريسية، وإنما لإحساسه اللاحق بالغبن، وإهداره ثروة حكائية لمن لا يستحقها، بتخليه عنه، ما أدى إلى تشرّده في رحلة العودة إلى دياره، نظراً لإفلاسه.

لاحقاً، سينصفه خورخي لويس بورخيس بإشارة مهمة، في بحثه الخلّاق «مترجمو ألف ليلة وليلة»، مشيراً إلى أن غالان أحضر معه من اسطنبول، مجلداً عربياً من «الليالي»، ومساعداً مارونيّاً يتمتّع بذاكرة ليست أقل إلهاماً من ذاكرة شهرزاد. ويضيف بوقار: "ندين إلى هذا المعاون الغامض ــ الذي لا أريد نسيان اسمه: حنّا، على ما يبدو- ببعض الحكايات الأساسية التي لا وجود لها في المخطوطة الأصلية".
ينبغي ألا ننكر استفادة حنّا دياب من النقاشات التي كانت تدور بين معلمه وغالان حول «الليالي» وطريقة عمارتها، وغرائبية حوادثها، إذ سيتعهد لغالان بتدوين بعض الحكايات، لا روايتها شفوياً وحسب، وتالياً، تأكيد موهبته التخييلية، وهو ما سيستفيد منه لاحقاً، في تدوين وقائع رحلته الشخصيّة. ولكن مهلاً، لماذا أجل الترجمان الحلبي كتابة يوميات رحلته إلى سنة 1766؟ نظنّ أنه اكتفى بإشباع رغبته في الحكي الشفوي إلى أن انتبه متأخراً إلى أهميتها كمغامرة تستحق التوثيق، واطلاعه ربما - بعد استقراره المعيشي- على كتابات مشابهة لرحّالة عرب ومستشرقين، فأراد مجاراة هؤلاء، والتفوّق عليهم، نظراً إلى ثراء مغامرته أولاً، وإلى مخزونه المعرفي ثانياً، بالإضافة إلى اكتشافه أهمية أن تروي حكاية خارج نطاق السهرات العائلية المسليّة، وأن تحمل توقيعك الشخصي.
سوف ينهي حنا دياب نصّه بضربة مفاجأة تتلاءم مع مخطط روائي أكثر منها سرداً ليوميات، فهو مثلما افتتح قوس الحكاية بلقاء بول لوكا، سينهيها بعودة معلمه القديم إلى حلب مرّة أخرى، في رحلةٍ جديدة، وكيف رافقه إلى مغارة أو سرداب يصل ما بين حلب وعنتاب، كان ممراً سريّاً للجنود أثناء الحروب القديمة، لطالما اختفى المغامرون لمجرد دخولهم إليه، لكن هذا المستشرق وصحبه سيخرجون من هذه المتاهة بأمان: «وكل من راح في حال سبيله». هذه الضربة المباغتة التي أغلق بها قوس السرد، تنطوي على مخيّلة روائي أكثر منها جملة عابرة. تعالوا نحتفي إذاً، بروائي سوري مجهول من القرن الثامن عشر.

حنّا دياب، صوتٌ من أصوات ألف ليلة وليلة ( مجلة الرومي، 25/03/2017 ) بِالرّغم من أن ليس لهما وجود إطلاقًا في أيّ مخطوطة أصيلة لكتاب ألف ليلة وليلة فإن حكايتي "علاء الدين والسراج المسحور" و"علي بابا واللصوص الأربعين" أصبحتا، مع مرور الزمن، حكايتين نموذجيتين لهذا المؤلَّف العربي المعترف به، وبجدارة، كجزءٍ من الأدب العالمي. تانك الحكايتان الشهيرتان، مع حكايات أخرى كوَّنت الترجمة الغربية الأولى لألف ليلة وليلة، ليس لهما مصدر معروف إلّا حَنّا دياب، وهو المؤلف للذكريات المنشورة في هذا الكتاب لأول مرة بلغتها العربية الأصلية.

وقبل التسعينيات من القرن العشرين، عندما اكتشف الباحث الفرنسي جيروم لنتان مخطوطة هذه الذكريات في المكتبة الرسولية في مدينة الفاتيكان، فإن المعلومات الوحيدة عن حياة حنا دياب لم تتوفر إلا في يوميات المستشرق الفرنسي أنطوان غالان (1646-1715)، المترجم الغربي الأول لألف ليلة وليلة. نجد في يومياته تلك إشاراتٍ عديدةً إلى حنا دياب، خاصّةً خلال الفترة التي قضاها في باريس نزيلًا عند بول لوكا (1664-1737)، والذي كان سائحًا يجوب العالم الشرقي لشراء المجوهرات والمخطوطات والمسكوكات والمداليات وأغراض قديمة أُخرى لملك فرنسا ولنبلاء بلاطه. ومع كون الإشارات الموجودة في يوميات غالان لا تزوّدنا بمعلومات كثيرة عن حنا، فإنها تُعْلِمُنا، باقتضاب، أنه ماروني من حلب أتى إلى باريس صحبة بول لوكا، وبقي في العاصمة الفرنسية على الأقل حتى الفترة التي بين مارس/آذار ويوليو/تموز سنة 1709، وتلمح إلى انه كان رجلًا مثقفًا، والأهمّ انها تكشف لنا أن حنا قصّ على غالان حكايات طريفة كثيرة، وهذه الحكايات استخدمها غالان فيما بعد لـ"تكميل" ترجمته ألف ليلة وليلة، لأن مخطوطة الكتاب الوحيدة المتوفرة لديه آنذاك كانت "ناقصةً"، في حين أنه كان قد انتهى من نقلها إلى الفرنسية.
إن أول إشارة إلى حنا في يوميات غالان هي في 17 مارس 1709، فيغلب على الظن أن في هذا التاريخ تعرّف ذلك المستشرق على حنا: "ذهبتُ صباحًا إلى بيت بول لوكا لكي أردَّ له المداليات التي كان قد أعطانيها منذ ثمانية أيام. تحدثت بعض الوقت مع حنا، ماروني من حلب، وهو، بالإضافة إلى لغته العربية، يتحدّث التركية والبروفنسالية وبشكل مقبول الفرنسية. الإشارة القادمة، المؤرخة بتاريخ 25 مارس، قد ذكرت الحكايات الجميلة التي حكاها الماروني السوري: "صباحًا ذهبتُ لأزور السيد بول لوكا، الذي كان مهيئاً للخروج، فبقيتُ مع السيد حنا، ماروني من حلب، والسيد حنا حكى لي بعض الحكايات العربية الجميلة جدًّا، ووعدني بأنه سيقوم بتدوينها وإرسالها لي". بعد هذه التذكارات الأولية، فإن أكثرية الإشارات إلى حنا في اليوميات تأتي مصاحبةً بملخَّصاتٍ لحكاياته، وهي 16 حكاية، نشرت منها 12 في المُجلّدات الأربعة الأخيرة لترجمة غالان لألف ليلة وليلة.
إن الحكاية الأولى لحنا المشار إليها في اليوميات هي بالضبط حكاية علاء الدين المشهورة، والتي انتهى حنا من سردها، على حسب سجلات غالان، يوم 5 مايو 1709 وخلافًا لحكايات حنا الأخرى المذكورة في يوميات غالان، ليس لحكاية علاء الدين أيّ ملخص، ويغلب على الظن أنها تُرجمتْ إلى الفرنسية استنادًا إلى نصٍ كتبه بالعربية حنا نفسه، فهذا ما يوحي إليه بعض الملاحظات الموجودة في اليوميات في يومي 3 و15 نوفمبر سنة 1710 وفي 10 يناير 1711:
"الإثنان، 3 نوفمبر. منذ اليوم السابق بدأت قراءة الحكاية العربية للسراج، التي كتبها لي منذ أكثر من سنة الماروني الدمشقي الذي كان قد جلبه معه السيد بول لوكا، بغية ترجمتها إلى الفرنسية. انتهيتُ من القراءة هذا الصباح. وها هو عنوان هذه الحكاية: قصة علاء الدين، ابن خياط، وما حدث له مع ساحر إفريقي بسبب سراج".
"السبت، 15 نوفمبر. باشرتُ صباحًا العمل في دراسةٍ عن القرآن (...). وليلًا باشرتُ كذلك العمل بحكاية السراج".
"السبت، 10 يناير. قد انتهيتُ من ترجمة الجزء العاشر من ألف ليلة وليلة العائد إلى النص العربي الذي كنت قد تسلمتُه من يدي حنا، أو جيان ديـپـي، الذي جلبه معه إلى فرنسا السيد بول لوكا عند عودته من رحلته الأخيرة إلى الشام. كنتُ قد بدأتُ هذه الترجمة في شهر نوفمبر ولم أشتغل فيها إلّا ليلًا".
تثبت هذه الملاحظات أن حنا سلّم غالان نصًّا مكتوبًا لحكاية علاء الدين، وأنه، إذن، وفى بوعده بأن يكتب له بعض حكاياته. حتى الآن هذه هي الإشارات الوحيدة عن أُصول حكاية علاء الدين والسراج المسحور، التي نشرها غالان تباعًا سنة 1711 في المجلدين التاسع والعاشر من ترجمته ألف ليلة وليلة.
وبين السادس من مايو والثاني من يونيو لسنة 1709، حكى حنا لغالان حكاياته الباقية، والتي أخذ المستشرق بتدوينها بشكل ملخّص يسلّط الأضواء غالبًا على ترتيب الحبكة الأدبية. إنه من الممكن، في بعض من تدويناته لهذه الحكايات – كما هو الحال في "حكاية علي بابا" –،أن نلاحظ بعض التغييرات التي قام بها غالان فيما بعد عندما نشر ترجمته لها في ألف ليلة وليلة. في الملخّص الموجود في يومياته لقصة علي بابا، والذي يعكس الحكاية كما سمِعها من حنا، فإن عنوانها هو "لطائف مرجانه أو اللصوص الأربعون الذين أُهلكوا بحيلة جاريةٍ"، والبطل اسمه خوجا بابا، وفي كهف اللصوص، علاوةً على الكنوز، توجد أيضاً مائدة عليها أكل ومؤونة كثيرة. في الصيغة المطوّلة التي نشرها غالان سنة 1717 في الجزء الحادي عشر من ترجمته، قد سميتْ الحكاية: "علي بابا واللصوص الأربعون الذين أهلكتهم جارية"، فتغيَّر اسم البطل إلى علي بابا وحذف الأكل والمؤونة من الكهف. إنه لمن المعبّر أن نلاحظ سبب وجود تلك المؤونة في حكاية حنا، إذ إنّ للمؤونة وجودًا كذلك في حكايات عربية أخرى تُشبه "علي بابا"، مِمَّا يدل على أنها صيغ ليس لها علاقة بترجمة غالان. إلا أن التغييرات التي قام بها غالان، بما فيها التفاصيل المتعلِّقة بمجرى أفعال الشخصيات وملامحها، لم تغيّر من بنية الحكاية-المصدر، بل أبقت الحبكة ذاتها والتيمات الأخرى الآتية من التراث السردي لسوريا، وهي مسقط رأس حنا.
بالإضافة إلى حكايتي علاء الدين وعلي بابا، اللتين أصبحتا مصدرَ إيحاءٍ للمسرحيات الغنائية وللصور المتحركة وللأفلام ولإنتاجات أدبية عديدة، هناك أيضًا موضوع آخر موجود في حكاية أخرى لحنا عرف نجاحًا كبيرًا ودخل في إنتاجات ثقافية وفنية متنوّعة: السجاد السحري. يبرز هذا الموضوع في حكاية دوِّنتْ في 22 مايو 1709، والتي أدخلها غالان في الجزء الأخير (الثاني عشر) لترجمته لألف ليلة وليلة تحت عنوان "حكاية الأمير أحمد والجنية پاري بنو" المنشورة بعد وفاته في 1717. وحتى الوقت الحاضر، ليس لتلك الحكايات التي قصّها حنا نصّ مكتوب أقدم من ترجمة غالان، فمخطوطاتها المتأخرة اكتُشف عنها أنها ليستْ أكثر من أعمال مزوَّرة تُرجمتْ من ترجمة غالان ثمّ ادّعتْ – أو ادّعوا عنها – أنها "أصيلة"، كما هو الحال بالنسبة إلى المخطوطتين العربيتين لحكاية علاء الدين، واللتين قام بترجمتها من الفرنسية إلى العربية كلّ من ديونيسيوس شاويش وميخائيل الصباغ، والمخطوطة العربية لحكاية علي بابا، والتي قام بترجمتها من ترجمة غالان المستشرق الفرنسي جان ڨارسي (1774-1859 ).
 

Pour citer cette ressource :

Lama Zoudi, حنا دياب : الحلبي الذي أكمل الليالي الناقصة في "ألف ليلة وليلة" - Revue littéraire, La Clé des Langues [en ligne], Lyon, ENS de LYON/DGESCO (ISSN 2107-7029), mars 2023. Consulté le 21/11/2024. URL: https://cle.ens-lyon.fr/arabe/litterature/classique-et-nahda/revue-litteraire/revue-litteraire-hanna-dyab-al-halabi-al-ladhi-akmal-al-layali-al-naqisa-fi-alf-layla-wa-layla