Vous êtes ici : Accueil / Civilisation et société / Monde arabe / ماذا نعرف عن مدينة درنة الليبية التي دمرها الإعصار؟ - Question d'actualité

ماذا نعرف عن مدينة درنة الليبية التي دمرها الإعصار؟ - Question d'actualité

Publié par Fatiha Jelloul le 01/10/2023

Activer le mode zen PDF

تسعى هذه الورقة للتعريف بمدينة درنة الليبية "عروس المتوسط" التي جرفها الإعصاركما تسلط الضوء على التهميش الذي عانت منه المدينة بسبب الظروف السياسية في البلاد بعدما كانت في الماضي منارة ثقافية وحاضرة العلم والثقافة في ليبيا.

1- تاريخ مدينة درنة العريق

مدينة درنة الليبية عروس برقة الغنية بوفرة مياهها وخصوبة أراضيها (القدس العربي، 13/7/2020)  درنة التي تعرف بـ”عروس برقة ” أو “درة المتوسط” هي مدينة ليبية جبلية ساحلية متوسطية شرقية تحدها من الجنوب سلسلة من تلال الجبل الأخضر. ويقسمها وادي درنة إلى نصفين، وهي التي قامت على ضفتيه وعلى مصبه في البحر الأبيض المتوسط، أي الدلتا. وتعرف درنة بمياهها العذبة المتدفقة من نبعين هما عين البلاد وعين بو منصور المعروفة بشلالها. وعلى غرار مدن الجبل الأخضر وإقليم برقة، تعرف مدينة درنة بجمالها الذي من عناصره كثرة الأشجار والمياه العذبة وأيضا النسيم البحري والجبلي العليل وهي خصائص نادرة الوجود في ليبيا التي لا تغطي الأشجار سوى 1 في المئة من مساحتها.

مناخ درنة متوسطي، معتدل حار صيفا وبارد شتاء مع ميل إلى الاعتدال في الفصلين، وتتراوح درجات الحرارة خلال فصل الشتاء في المدينة ما بين 9 و20 درجة، فيما ترتفع صيفا لتفوق الأربعين درجة. ويبلغ معدل هطول الأمطار السنوي فيها حوالي 600 مم وهو معدل معتبر يمكن من تغدية المائدة المائية بكميات هامة تنعكس على منابع الماء العذبة والجداول التي يشكلها سيلان هذه المياه.

تبلغ مساحة مقاطعة درنة ما يقارب 20.000 كيلومتر مربع يقطنها ما يقارب من 200.000 ألف نسمة ويستقر أغلبهم بالمنطقة الساحلية وتتنوع انتماءاتهم القبلية باعتبار الموقع المتميز لدرنة كهمزة وصل بين المشرق والمغرب استقطبت الهجرات من ليبيا ومن خارجها على غرار الأندلس. ومن أهم قبائل درنة البراعصة والحاسة وعزوز من الأندلس والعوامي والمسماري والشواعرة من المرابطين، وبدر والطشاني من التواجير، وشنيب ووربي من الطواهر، وبو جيدار من الدرسة، والمريمي والمنصوري وغيث من العبيدات وبن خيال وبن حليم من زليتن وأسديسي من ورفلة، وبو خشيم من مصراته.

خلافا للغرب الليبي المنتمي حضاريا وتاريخيا إلى المغرب العربي وكان ضمن دائرة نفوذ جمهورية قرطاج ولاحقا ضمن مقاطعة أفريكا الرومانية التي تضم تونس الحالية وغرب ليبيا وشرق الجزائر، فإن الشرق الليبي كان ضمن دائرة نفوذ الحضارة الإغريقية ومن ذلك مدينة درنة. فخلال الحقبة اليونانية التي عاشها شرق ليبيا بالتوازي مع الساحل المصري المتوسطي وتحديدا خلال الفترة الهيلينستية، عرفت درنة باسم إيراسا وكانت تشكل مع أربع مدن أخرى مملكة تسمى بيتاووس.

وبعد سقوط قرطاج وجدت روما الطريق معبدة للهيمنة على الحوض المتوسطي فاستولت على مناطق نفوذ القرطاجيين والإغريق على حد سواء وخضعت درنة لقرون إلى الرومان. وبعد سقوط روما وتشتت مستعمراتها بين الأمم الغازية والمتمردين أراد البيزنطيون في القسطنطينية الاستيلاء على إرث روما باعتبارهم الإمبراطورية الرومانية الشرقية والأحق بهذا الإرث فاستولوا على مناطق عديدة منها درنة ومحيطها.

واعتنق سكان درنة الإسلام منذ القرن الأول للهجرة مع قدوم العرب إلى إقليم برقة فتحا وهجرة، لتكون المنطلق لفتح المنطقة المغاربية وتأسيس حاضرة إسلامية هي مدينة القيروان التونسية تكون قاعدة الارتكاز لحكم بلاد المغرب الكبير والانطلاق نحو الأندلس. فأصبحت درنة وكذا محيطها مناطق نفوذ للدولة الإسلامية الجديدة في المدينة المنورة ولاحقا في الكوفة في عهد علي بن أبي طالب. ثم خضعت للأمويين في دمشق والعباسيين في بغداد والفاطميين في المهدية والقيروان في تونس قبل انتقال هذه الدولة إلى القاهرة للاقتراب من بغداد حيث الخلافة العباسية لإنهائها والحلول مكانها.

ومر بنو هلال وبنو سليم في غزوهم وتخريبهم للقيروان من مدينة درنة بعد أن حرضهم الخليفة الفاطمي في القاهرة على الصنهاجيين في القيروان الذين استقلوا بحكم إفريقية (تونس شرق الجزائر وغرب ليبيا). واستقر عدد كبير من بني هلال في محيط درنة ومناطق هامة من ليبيا اليوم وأصبحوا جزءا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والقبلي في البلدان المغاربية جميعا ومن دون استثناء.

درنة... مدينة الجمال والخوف (رصيف 22، 16/3/2023) حين بدأت الشمس رحلة غروبها، في مساء ذلك اليوم من ربيع العام 2015، اندفعت سيارات رباعية الدفع تشقّ شوارع مدينة درنة الجبلية الواقعة على ساحل البحر المتوسط، شمال شرق ليبيا، بسرعة كبيرة، حاملةً مقاتلين بأعداد كبيرة، ذقونهم طويلة، وأياديهم مدججة بالسلاح.

اخترقت أصوات السيارات وطلقات النار في الهواء، المتداخلة مع أصوات التكبيرات التي تخرج من حناجر المقاتلين، قلوب سكان المدينة الذين استشعروا الخطر.

كانت الوجهة حي شيحا غرب المدينة. أكثر من 30 إرهابياً كانت عيونهم تتّقد شرراً، وأصابعهم تداعب أزناد أسلحتهم، استعداداً للفتك بكل من أغضب شيوخهم، الذين هدروا دمه واستباحوا عرضه.

في تلك اللحظات، كانت عائلة عيسى أحرير المنصوري، في منزلها تستعدّ للمواجهة القادمة مع طيور الظلام. سرعان ما حاصرت سيارات التنظيم المنزل، ليصدح صوت قائد المجموعة، المدعو "حسن بوذهب"، مطالباً العائلة بتسليم أحد أفرادها من أجل القصاص منه، وتطبيق الحد عليه، بعدما وجّه له التنظيم الإرهابي تهمة القتل.

رفض أفراد العائلة تسليم ابنهم، وتراصّوا نساءً ورجالاً، بالقرب من النوافذ والأبواب للدفاع عن روابط أسرية لم ولن يفهمها أولئك الرجال الذين سلب شيوخهم كل ذرّة إنسانية في صدورهم، ففتحوا نيران أسلحتهم على كل ما يتحرّك في المنزل من دون رحمة. إلاّ أنهم تفاجأوا بردّ قوي من أفراد العائلة الذين صدّوا الهجوم بالأسلحة الخفيفة والمتفجرات، ليوقعوا قتلى وجرحى في صفوف عناصر التنظيم.

لساعات طويلة، ظلّت المعارك دائرةً حول المنزل، دافع فيها أفراد عائلة الحرير عن أنفسهم حتى الموت، قبل أن يلجأ عناصر التنظيم إلى تفجير المنزل بالعبوات الناسفة بمن فيه. انتهت المعركة بمقتل ستة أفراد من العائلة بينهم امرأتان وإصابة الوالدة [...] 

الجنّة التي كانت

قبل ذلك بعقود، كانت درنة تُعرف بـ"عروس برقة"، أو "درّة المتوسط". فالمدينة الواقعة على الشريط الساحلي شمال شرق للبلاد، كانت مثالاً حيّاً للجمال والروعة، رسمت فيها الطبيعة لوحةً سحريةً حيث الجبل الأخضر يعانق البحر، والوادي ينساب جليلاً ويقسمها إلى نصفين، وتتدفق المياه العذبة من شلالاتها لتسقي نخلها الباسقات وأشجار فاكهتها اليانعة وأزهارها الشذيّة الفوّاحة.

إذا كان لنا حقّ التساؤل عن شكل الجنة، فإن مدينة درنة خير جواب عن سؤالنا، مدينة داعب جمالها عقول الشعراء، فنظموا في وصفها الأبيات، وقال فيها الشاعر الليبي عبد الحميد بطاو:

"طليت من فوق الجبل... عند المسا... ريت البحر... سايلات فيه أنوارها

جلّيت عن قلبي الزعل... وعشت الزها... في جوها... ونشوة عبير أزهارها

طليت من فوق الجبل... بانن ضوايا درنة

ألقيت روحي منذهل... سارح بروعة درنة

عز المداين درنة.

في كتابه "راصدو الصحراء... رحلة في الصحراء الليبية"، كتب الرحالة الدنماركي كنود هولمبو، وصفاً جميلاً وخلّاباً لهذه المدينة، قائلاً: "درنة من ناحية المناخ جنة الله على الأرض. فهي تقع بالقرب من البحر المتوسط، وتتمتع بأفضل مناخ في إفريقيا كلها... وتملك درنة أصفى وأنقى وأطيب المياه في إفريقيا الشمالية كلها. فهي تتدفق من الجبال وتجري وسط البلدة نفسها بين القنوات والمجاري، وتذهب المياه الفائضة عن حاجات الري إلى البحر. وأراضي درنة مغطاة ببساط كثيف من الحشائش والأعشاب وتتألق فيها الأزهار الجميلة. وهناك بساتين كبيرة للموز تعطي مواسم دائمةً على مدار السنة".

إلى جانب جمالها الطبيعي، تُعدّ درنة من أقدم الحواضر الليبية، ومن أكثر مجتمعاتها عراقةً، فقد تعاقبت على المدينة حضارات مختلفة من الإغريق والرومان ودول إسلامية. وتميزت الشوارع الدرناوية، التي يظللها الياسمين، بالطابع الأندلسي وحياة الاستقرار والعراقة والتحضّر، وكل تلك العوامل جعلت من درنة بالنسبة للّيبيين حاضرةً مختلفةً ومتميزةً.

موقع المدينة على ساحل البحر وامتدادها الحضري، على طول ضفتي وادي درنة وشلاله الشهير، استقطبا السكان من مختلف الأطياف عبر العصور، وأضفى التنوّع الثقافي للمدينة ميزةً ثمينةً على المكان قلّما توجد في الكثير من المدن في ليبيا. واشتهر المجتمع الدرناوي منذ منتصف القرن العشرين، بانتشار التعليم، مقارنةً ببقية المناطق، فيما نشطت الحركة الثقافية بوجود العديد من المؤسسات الثقافية على غرار بيت درنة الثقافي.

لكنّ مدينة الجمال والثقافة حفل تاريخها بحقب يملؤها الخوف، فقد كانت مطمعاً للغزاة وساحةً للحروب. في العام 1805، احتلت المدينة قوات مشاة البحرية الأمريكية، لتكون بذلك أول يابسة خارج الولايات المتحدة، يُرفع فوق قلعتها العلم الأمريكي. عقب ذلك، عاشت المدينة الويلات جراء الاحتلال الإيطالي بين عامي 1911 و1945.

ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية، تحوّلت المدينة إلى ساحة صراع بين القوى الدولية، ووقعت تحت سيطرة القوات الأسترالية، التابعة للجيش البريطاني في الثلاثين من كانون الثاني/ يناير عام 1941، في حملة شمال إفريقيا، قبل أن يستردّها النازيون الألمان، المتحالفون مع الإيطاليين، في السادس من نيسان/ أبريل 1941، ثم عاد البريطانيون وتمكّنوا من استعادتها من جديد.

فيها اختبأ القديس مرقس ليكتب الإنجيل.. تاريخ “درنة” الليبية، أكثر المدن تضرراً من إعصار دانيال(عربي بوست، 12/9/2023)   في أكبر كارثة من نوعها، تشهدها ليبيا منذ أكثر من 40 عاماً، خلّف "إعصار دانيال" آلاف القتلى والمفقودين جراء السيول التي اجتاحت مدناً عدة في البلاد، أبرزها: درنة، وسوسة، وبنغازي، والبيضاء، والمرج. 

وتُعتبر درنة أكثر المدن تضرراً من الإعصار الذي دمّر رُبع المدينة تماماً، وتسبب بوفاة أكثر من 5 آلاف شخص، وسط مخاوف من فقدان نحو 10 آلاف شخص؛ جراء الكارثة التي يُعتقد أن انهيار سدَّي "البلاد" و"سيدي بومنصور" كان سبب تفاقمها.

لكن، ما الذي تعرفه عن تاريخ هذه المدينة العريق التي تمثل عنواناً للجمال والبهاء، في محيطٍ ساحر تملؤه الآثار الضاربة في التاريخ؟

تاريخ مدينة درنة 

تأسّست المدينة على يد الإغريق خلال العصر اليوناني القديم، وتحديداً في العصر الهيلينستي، الذي برز في الفترة الممتدة ما بين عامَي 330 و323 قبل الميلاد، بعد فتوحات الإسكندر المقدوني. 

حينها، أنشأ الإغريق 4 مدن في شرق ليبيا، كانت "إيراسا" (درنة اليوم) المدينة رقم 5 التي عادت وانضمّت فيما بعد إلى المدن الأربع؛ وبذلك تمّ تأسيس مملكة من 5 مدن مزدهرة، اشتُهرت بجمالها، وفنونها، وعمارتها. 

لاحقاً، أصبحت هذه المدن جزءاً من الإمبراطورية الرومانية، وكانت وديانها مركزاً أساسياً لجأ إليها المسيحيون. في تلك الفترة، اعتُبرت المدينة ميناءً مهماً ومركزياً على البحر الأبيض المتوسط.

وقد ظلت درنة مركزاً إدارياً وتجارياً هاماً في تلك الفترة، بفضل مينائها وأراضيها الزراعية الخصبة، إضافة إلى حركة التبادل التجاري والثقافي مع المغرب العربي والشرق الأدنى.

في أواخر القرن الـ15، شكلت المدينة موطناً لشعوبٍ من أصول مختلطة، بعد أن تمّ توطين الأندلسيين المطرودين من إسبانيا، في موقع المستوطنة القديمة بالمدينة. 

وخلال العصر العثماني في القرن الـ17، لعبت دوراً حيوياً وكانت مقراً لواحدة من أغنى المناطق في الأقاليم الليبية التابعة للدولة العثمانية، والتي تأسّست مواردها من خلال الهجوم على السفن الأوروبية في البحر المتوسط.
أول ذِكرٍ لاسم درنة جاء على لسان كلوديوس بطليموس، عالم الفلك والجغرافي الإغريقي، حين أشار إلى أن إقليم برقة "ينتهي شرقاً مع حدود مارماريكا على السمت من منفذ درنة". أما سبب تسميتها، فلذلك قصة لم تؤكدها المراجع التاريخية.

يُقال إن البطالمة كانوا يسّمون المدن التي ينشئونها، أو التي يحتلونها، بأسماء ملوكهم وآلهتهم. لكن لم يُعرف أحد من حكام أو ملوك اليونان بهذا الاسم؛ مما يرجح فرضية أن الاسم ليبي الأصل، وقد أبقاه البطالمة على حاله مع إضافة حرف S (درانس)، الذي كان علامة الرفع للاسم المذكر في اللغة اليونانية. 

في كتابه "قراءات ليبية"، يخبرنا علي فهمي خشيم معنى كلمة درنة، حين يقول: "أما دارنس، فهي مدينة درنة الحالية، وهي كلمة ليبية أيضاً قد تعني (بين الجبال) أو (وسط الجبال)، كما هو موقع درنة".

تضم رفات أكثر من 70 صحابيا ودمرها الفيضان.. “مقبرة الصحابة” التاريخية في مدينة درنة الليبية (عربي بوست، 14/9/2023)شهدت ليبيا في 10 سبتمبر/أيلول الجاري كارثةً مأساوية غير مسبوقة، وذلك نتيجة لإعصار دانيال المدمر، الذي ضرب أجزاءً واسعةً من شمالي وشرقي ليبيا، غير أنّ الحصة الكبيرة من تلك المأساة حدثت في مدينة درنة، التي اختفت أجزاءٌ واسعة منها بفعل الفيضان الكبير الذي ضرب المدينة، والذي تسبب في دمارٍ هائلٍ لعدد من الأماكن التاريخية والأثرية بالمدينة، أهمها مقبرة الصحابة والمسجد المحاذي لها.

هذه المقبرة التاريخية التي يمتد عمرها لمئات السنين، وتضم قبور حوالي 70 صحابياً، كانوا ضمن الجيش الإسلامي الذي نشر الإسلام في شمال أفريقيا وتوقف مدةً في منطقة تعدّ الآن جزءاً ليبيّاً، كانت أبرز ضحايا إعصار دانيال في مدينة درنة، فما قصة هذه المقبرة؟ 

تأسست في القرن الـ11 الهجري وتضم رفات قادة الفتح الإسلامي للمغرب

تمتلك مدينة درنة تاريخاً طويلاً في العهد الإسلامي، فرغم أنّ اسمها لم يبرز في المرحلة الأولى من الفتح الإسلامي لبلاد المغرب، الذي استمر 70 عاماً، فإنّها عادت لتبرز انطلاقاً من الثلث الأخير من القرن الهجري الأول، بعد أن تحوّلت إلى قاعدة خلفية للجيش الإسلامي. 

كما كان للمدينة شرف احتضان أكثر من 70 صحابياً دفنوا تحت ترابها، أبرزهم قادة الجيش الإسلامي في المغرب، زهير بن قيس البلوي، الملقّب بأمير برقة الشجاع، ومساعداه أبو منصور الفارسي وعبد الله بن بر القيسي، الذين تعرضوا أثناء عودتهم من تونس إلى كمين من قبل الجيش الروماني، أدى إلى استشهادهم بدرنة ودفنهم بها.

في عهد الحكم العثماني لليبيا أنشئت مقبرة لضم جميع رفات الصحابة الذين استشهدوا على أرض درنة، وذلك من خلال بناء أضرحة للقادة الثلاثة، زهير بن قيس البلوي، وأبي منصور الفارسي، وعبد الله بن بر القيسي.

أقيمت الأضرحة الثلاثة على مدخل إحدى المغارات المحاذية لوادي درنة، إضافة إلى رفات سبعين صحابياً، وذلك في القرن الحادي عشر الهجري، وأطلق على المقبرة اسم مقبرة محمد بك، نسبةً إلى الحاكم العثماني بليبيا، قبل أن تشيع بين الليبيين باسم مقبرة الصحابة، وتتحوّل إلى مكان ذي قدسية لدى ساكني مدينة درنة. 

بُني مسجدٌ على أجزاء من أنقاضها

في سنة 1970 أقيم مسجد باسم مسجد الصحابة على جزءٍ من مقبرة الصحابة في درنة، وذلك بناءً على فكرة من أهالي درنة، الذين أرادوا بناء صرح تتميّز به مدينتهم، فقاموا برفع جزء من رفات مقبرة الصحابة وتشييد مسجد مكانها، واستمرّ العمل في المسجد حتى سنة 1975، تاريخ افتتاح المسجد الرسمي، وذلك بتمويل من سكان المدينة، وأصبح أكبر مسجد في المدينة، وأحد أكبر مساجد ليبيا. 

تحوّل المسجد سريعاً بعد تأسيسه إلى مركز ثقافي وعلمي في مدينة درنة، فقد كان يزوره كلّ وافد إلى المدينة، حتى من المسؤولين والأمراء.

درنة: مدينة الشعر واللاشعور(اندبندنت عربية، 29/9/2023)  الليل والطوفان، انشقت السماء والريح صرصر، المطر ينهمر كالشلالات الهائلة، صوت الريح يصم آذان البشر الذين عاشوا ليلة رعب ليس كمثلها ليلة، تنهار السدود، فيتجه السيل العرم بكل قوته بلا رحمة جارفاً كل شيء في طريقه، جرف البشر والحجر واقتلع البيوت والبشر، وخلع الشوارع والبشر، وأزاح كل ما في طريقه من حياة ومن بشر.

كانت تلك ليلة العاشر من هذا الشهر البائس على الإنسان في درنة، حيث تربض المدينة في الشمال الشرقي لليبيا هادئة حالمة، حتى جرفها الطوفان بلا عطف وبلا حنان.

المصادر الرسمية قالت إن الكارثة قتلت 4 آلاف من البشر، وبذلك كذبت مصادر الأمم المتحدة التي صرحت بأن الضحايا أكثر من 10 آلاف من البشر، هي مجرد أرقام لن نعرف دقتها أبداً، فما زالت الأنقاض تكشف عن جثث، وما زال 8 آلاف في عداد المفقودين، وما زال البحر ينز بقايا البشر من الموتى المحظوظين الذين لم يلتهمهم السمك.

تسمى مدينة الشعر، فبها الشعراء والمقاهي الثقافية وتجمعات فنية وأول مسرح في ليبيا، وبها تاريخ مقاومة بطولية ضد الاحتلال الإيطالي ببدايات القرن الماضي، ومنها انطلقت شرارات الثورة ضد معمر القذافي ونظام البطش، نجحت الثورة بإزاحة ومقتل القذافي واستبدلت البطش بالفوضى والدمار والاقتتال، كانت درنة واحدة من ضحايا عدة من مدن ليبيا التي طاولها الاقتتال البشع الذي لم يرحم، دمرها الاقتتال تدميراً، لكنها بقيت تقول الشعر وتتحدى اللاشعور.

قوافل الهرب من محاكم التفتيش أواسط الألفية الماضية بعد الخروج للنجاة بالعمر والذكريات من الأندلس، تستقر على سواحل البحر المتوسط، قوافل من بينها قافلة آخر ملوك غرناطة من بني الأحمر هو أبو عبدالله الصغير الذي سماه أهل غرناطة عبدالله الزغابي التي تعني بعربية الأندلس المنحوس أو المشؤوم، الذي هرب إلى مدينة فاس المغربية ومات فيها.

لكن درنة استقبلت قوافل المثقفين والمتعلمين والمتعايشين من أهل الأندلس، بنيت على أنقاض بقايا يونانية أصبحت أثراً بعد عين، شيدوا المدارس والمساجد والكنائس والمعابد اليهودية، كثير من اليهود هربوا مع العرب والمسلمين إلى شمال أفريقيا بعد أن ضاعت الأندلس من العرب والمسلمين.

بقيت درنة متعايشة قبل الطوفان. كانت الناس تعلم أن الطوفان قادم، قبل أكثر من 17 سنة بعام 2006، تنبأ شاعر درنة وابنها مصطفى الطرابلسي بالطوفان، وعزى أهلها قبل موتهم، كان يستقرئ الكارثة:

عظم الله ياخوي أجرك فيها،،،

درنة انتهت وتريد من يرثيها

درنة كانت طفلة جميلة بالدلال ازدانت،،

من ظلم ياما ومن مصايب عانت

التاريخ يفخر وين ما يطريها.

2- الإهمال السياسي

درنة" المدينة النازفة.. لماذا أهملها القذافي؟ (الجزيرة، 20/9/2023)"درنة" التي كانت منارة ثقافية في بعض الأزمنة، عانت تسلل الفكر الجهادي في العقد التاسع من القرن الماضي إلى عقول شبابها، بما أثار حفيظة "القذافي"، واستنفر حملاته الأمنية عليها، لقمع هؤلاء الجهاديين الذي ناهضوه وتمردوا عليه. من هنا أهمل القذافي المدينة حتى رحيله، غضبا لتمرد شبابها عليه، فلم ينشغل بـ "الصيانة" لسديها، رغم احتياجهما الملحّ لها، فهما بُنيا قبل نصف قرن، مثلما تجاهل صيانة شبكة طرق المدينة وجسورها الخمسة المنهارة أيضا. مع ثورة إعصار دانيال انهار السدان بما أدى إلى إفلات 24 مليون متر مكعب من المياه المحجوزة خلفهما.. تضافرت مياه السدود مع الإعصار المندفع صانعين طوفانا متوحشا ومجنونا يقتلع البنايات حتى المكونة من 6 طوابق، ويلقي بها وسكانها إلى الغرق. جاء سقوط القذافي في 2011 ليفتح أبواب المدينة لتنظيمي القاعدة وداعش اللذين سيطرا عليها.. لاحقا قاتلهم "الجنرال" المتقاعد خليفة حفتر، قائد الجيش الليبي التابع لبرلمان طبرق، لسنوات حتى تمكن في 2018 من تحرير المدينة منهما، ليحل محلهما في السيطرة عليها، ويضمها إلى المناطق الخاضعة لنفوذه وحكومة أسامة حماد حاليا.

القذافي أسقط الملكية ومعها ملك ليبيا إدريس السنوسي، واستولى على الحكم في سبتمبر/أيلول 1969، وحتى مقتله أثناء الثورة الليبية في 2011.. أقام القذافي نظاما للحكم من أسوأ الأنظمة الاستبدادية. أطلق على البلاد منذ مارس/آذار 1977، وحتى سقوطه، مُسمّى الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى.. كأن التسمية كافية لنقل البلاد إلى مصاف الدول العظمى، مثل الولايات المتحدة الأميركية التي ناصبها العداء. لم تكن ليبيا "اشتراكية" كما يشير الاسم الذي هو لمكايدة الغرب، فالقذافي هو الحاكم بأمره.. المواطن ومن ثمّ الجماهير بلا أي قيمة أو دور أو حقوق سواء في زمن القذافي، أو بعده. فالقذافي كان مهووسا بإضفاء ألقاب فخمة على نفسه، فهو الزعيم والأخ العقيد قائد الثورة الليبية، وملك ملوك أفريقيا، وعميد الحكام العرب، وإمام المسلمين، وغيرها. انطلق القذافي مُبدّدا الثروات الليبية من عائدات النفط الذي تمتلك منه البلاد مخزونا ضخما يرفعها إلى المركز التاسع عالميا، للإنفاق على مغامراته ومؤامراته الخارجية، وشراء الولاءات اللازمة له كونه "ملك ملوك أفريقيا وإمام المسلمين"، بدلا من الاهتمام بالتنمية.

والحال هكذا، كان طبيعيا ألا ينتبه القذافي إلى تردي البنية التحتية التي شهدت نموا في العصر الملكي رغم الفساد، فلم يؤسس أنظمة صحية وتعليمية وثقافية واجتماعية فاعلة، ولا سعى إلى الاستثمار في البنية الأساسية، ولا اهتم بتكوين مراكز علمية وبحثية فاعلة. ومن الإنصاف الإشارة إلى "النهر الصناعي العظيم"، الذي تبناه القذافي بداية من 1984، إلى اكتماله في 2002، وهو مشروع عملاق لنقل 6.5 مليون متر مكعب من المياه الجوفية العذبة يوميا من 1400 بئر جوفي، إلى أنحاء ليبيا للشرب والزراعة والاستخدامات الأخرى، عبر شبكة أنابيب طولها 3500 كيلومتر. كما وفّر القذافي لمواطنيه دخلا جيدا أشعرهم برغد العيش، دون نهضة عمرانية وخدمية فعلية بالبلاد. هكذا ترك "العقيد القذافي" ليبيا عند سقوطه في حالة يُرثى لها من تدهور للبنية التحتية. لم تكن "درنة" استثناء من هذا الإهمال.. بل نالها نصيب أكبر، غضبا منه عليها، كما أسلفنا.

كيف ساهم الانقسام السياسي في مأساة فيضانات درنة الليبية؟ (العربي الجديد، 15/9/2023)  تسبّبت الفوضى السائدة في ليبيا بعدم إيلاء البنى التحتية الحيوية الأهمية اللازمة، ما ساهم في انهيار سدّي درنة في الشرق نتيجة عاصفة وفي فيضانات مدمرة اجتاحت المدينة ومحيطها في بلد تتنافس فيه حكومتان على السلطة، ويشهد انقسامات عميقة، وفق محللين وسياسيين.

وتحكم ليبيا، التي دمرتها الانقسامات السياسية منذ سقوط معمر القذافي في العام 2011، حكومتان متنافستان، واحدة في طرابلس (غرب)، معترف بها من الأمم المتحدة ويقودها رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، وأخرى في الشرق، تابعة لمعسكر خليفة حفتر.

وتصاعدت وتيرة الخلافات السياسية مراراً وتكراراً وأفضت إلى قتال دامٍ مراراً. لكن منذ العام 2020، جرى احترام قرار وقف إطلاق النار إلى حد كبير.

ضربت العاصفة دانيال، الأحد، عدة مناطق في الشرق الليبي، لا سيما منطقة درنة، وهي مدينة ساحلية يبلغ عدد سكانها 100 ألف نسمة، ما تسبب في انهيار سدين، بُنيا في سبعينيات القرن الماضي، بسبب ضغط الأمطار الطوفانية، ما أدى إلى تشكل سيول جارفة وفيضانات أودت بالآلاف.

كما تسببت هذه الأمطار في تدمير أحياء بكاملها وجرفها نحو البحر الأبيض المتوسط.

وعلى الرغم من أن الكارثة وقعت في منطقة خاضعة لسيطرة المعسكر الشرقي، إلا أن الدبيبة، الذي يتخذ من الغرب مقرّا له، اعتبر، الخميس، أن ما حصل سببه "ما جرى تخطيطه في السبعينيات، والذي لم يعد كافيا اليوم، بالإضافة إلى الإهمال الزمني وآثار السنوات".

وقال خلال اجتماعه مع الوزراء والخبراء إن "هذه إحدى نتائج الخلافات والحروب والأموال التي ضاعت".

"قنبلة موقوتة"

يقول المحلل الليبي في "مؤسسة صادق" أنس القماطي، لوكالة "فرانس برس"، إنه بعد "سنوات من الإهمال، فإن عدم تخفيف ضغط مياه السد مع اقتراب العاصفة" كان بمثابة "قنبلة موقوتة".

ويعتبر أن "السلطات في الشرق، وخصوصا قوات الجيش الليبي، ارتكبت حسابات خاطئة مأساوية وإجرامية ولم تتحمل مسؤولياتها". ويلفت إلى أن قرار بلدية درنة بفرض حظر التجول مساء السبت تحسبا للعاصفة "لم يحم المواطنين، بل على العكس، حاصرهم".

هل كشفت كارثة درنة عن عمق الأزمة السياسية في ليبيا؟

كيف سلم الفساد درنة "فريسة" للإعصار دانيال؟ (اندبندنت عربية، 15/9/2023) بدأ الليبيون يستفيقون من هول الصدمة والكارثة التي تسببت بها سيول الأمطار الناجمة عن العاصفة دانيال في مدينة درنة بشكل خاص وبعض المدن الجبلية المتاخمة لها بشكل أقل، وبدأت أيضاً تطرح الأسئلة عما حدث وكيف وقع ومن المسؤول عن فاجعة المدينة المؤلمة، وهل كان يمكن تقليل أضرارها الصادمة؟

أول الأسئلة طرح عن الأسباب التي أدت إلى انهيار السدين الكبيرين اللذين يحجزان مياه الأمطار في وادي درنة بعد نصف قرن على إنشائهما، لينهال طوفان محمل بـ23 مليون متر مكعب من المياه على المدينة جرفت كل ما في طريقها من أحياء ومنازل وسكان إلى البحر.

انعدام الصيانة في السدين منذ أكثر من 10 سنوات، وتجاهل التحذيرات المتواترة في العقدين الأخيرين عن سوء حالتيهما، على رغم صرف موازنات كبيرة لهذا الغرض ذهبت أدراج الرياح، مما أجج المطالب في درنة وخارجها بفتح تحقيق شامل محلي ودولي لتحديد المسؤول عن هذا الفساد والإهمال الذي ضيع آلاف الأرواح البريئة.

تاريخ بناء السدين

من الصدف الغريبة والمؤلمة في آن واحد أن قصة بناء السدين ولدت من رحم كارثة وانتهت بكارثة أكبر، ففي عام 1959 تعرضت درنة لفيضان كبير من الوادي الذي يشق طريقه إلى البحر عبرها، تسبب في خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، وصنف بالأعنف في تاريخها الحديث، قبل فيضان الأحد الماضي، مما حرك المملكة الليبية وقتها للتفكير في بناء سد لحماية المدينة من السيول الجارفة.

أخذت الدراسات الخاصة ببناء السد ومواصفاته وموقعه سنوات طويلة، وأوصت ببناء سدين في مكانين متباعدين بالوادي الطويل الذي يمتد 60 كيلومتراً جنوب درنة، ليتحملا الكميات الهائلة من السيول المتوقع تجمعها في الوادي من مصبات خمسة أودية أخرى بالجبل الأخضر، والتي قد تتجاوز في المواسم المطيرة 20 مليون متر مكعب من المياه.

أهمل المشروع طويلاً بسبب الظروف السياسية في البلاد والمنطقة حينها، ولم ينفذ إلا في زمن نظام معمر القذافي من قبل شركة من يوغسلافيا "سابقاً" واستغرق بناؤهما أربع سنوات وافتتحا في عام 1977، وشيدا من طبقة من الطين المضغوط وفوقها طبقة أخرى من الصخور المضغوطة.

ويقود البحث عن الأسباب أو العيوب الفنية والتشغيلية التي أدت إلى انهيار السدين 11 سبتمبر (أيلول) الماضي إلى قائمة طويلة من المسؤولين المحتملين عن كارثة مدينة درنة، تبدأ بأسماء ومؤسسات في زمن القذافي وتنتهي بنظرائهم في الحكومات الحالية شرق البلاد وغربها.

انتقادات مبكرة

تقول دراسات حديثة أجراها متخصصون في العقدين الأخيرين على سدي درنة إن الانتقادات لمشروع سدود وادي درنة بدأت مبكراً جداً عند بداية تنفيذه، إذ انتقد بعض المهندسين الجيولوجيين مكان إنشاء سد درنة، لأنه يقع على أرض باطنها كهوف وفجوات واعتبروا أن أرض الوادي غير مؤهلة لإقامة سد مائي، نظراً إلى سهولة وكثرة انجراف التربة، وهو ما دعمته تقارير جديدة في السنوات الماضية.

وطاولت الانتقادات وقتها الدراسة التي قامت بها الشركة اليوغسلافية عام 1972 قبل بنائها السد، بسبب اعتمادها على بيانات جيولوجية وهيدرولوجية ومناخية لسلسلة زمنية قصيرة في ذلك الوقت، مما أدى إلى وضع تقديرات غير دقيقة.

حكاية وادي درنة وسدّها (العربي الجديد، 20/9/2023) أحال وادي درنة الذي يقسم المدينة التي تضم 300 ألف ساكن إلى نصفين، درنة مدينة منكوبة بعدما كان يشكل شريان حياتها، وتغذي عيونه عدداً من مزارعها، ويوفر مياه الشرب لسكانها. ويتفق الخبراء على أن انهيار سد وادي درنة (يتألف من جزأين، سد سيدي أبو منصور وسد البلاد وهو أكبرهما والأقرب جغرافياً إلى المدينة) أدى إلى غرق المدينة. وبسبب انهيار السدين في الوادي الذي يعد المكان الوحيد الذي تجتمع فيه المياه المنحدرة من كافة وديان الجبل الأخضر الليبي بشرق البلاد، سجلت درنة وحدها عددا كبيرا من القتلى، كما أعلن رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد ومصادر طبية.
يقدر مختار المدينة الصديق بن طاهر، عدد سكان أحياء وسط البلاد بالمدينة القديمة بـ 35 ألف نسمة. وبسبب جرف قوة مياه الفيضانات لغالبية أجزاء تلك الأحياء، يرجح أن تكون التقديرات الرسمية التي تتحدث عن آلاف القتلى والمفقودين صحيحة.  
ويتحدث عن وادي درنة، قائلاً إن طوله داخل المرتفعات الجنوبية للمدينة يصل إلى سبعين كيلومترا، وتتصل به غالبية شعاب الأودية المجاورة كوادي بومسافر ووادي الضحاك وغيرهما. ويقول إن "قوة تدفق السيل في الوادي تعتمد أساساً على كميات الأمطار. في ستينيات القرن الماضي، شهدت المدينة فيضاناً كبيراً. وفي السنوات اللاحقة، كان سيلان الوادي عادياً وينتهي إلى البحر بسبب قلة منسوب الأمطار. لكن كميات الأمطار التي حملتها العاصفة دانيال جعلت كل الشعاب الأخرى تصب فيه، ما رفع منسوب المياه إلى درجة لم يحتمل السد صدها".  
يتابع بن طاهر: "بني السد عام 1961، وتمت صيانته خلال عامي 1977 و1986. وفي المرة الأخيرة، أضيف إليه سد صغير لزيادة قوة تحمله. لكن مع مرور الوقت، تهالكت بنيته التحتية، وخصوصاً بالوعات التصريف التي من المفترض أن تسرب فائض السد". ويقول: "طريق الوادي الواصل إلى المدينة وحتى البحر ما بعد السد متعرجة. وزاد اصطدام قوة تدفق المياه بحواشي التعرجات وحملها الصخور الكبيرة من قوته التدميرية، ووصلت إلى المباني على ضفتي الوادي". ويوضح أنه "تقع أعلى حواشي تعرجات الوادي العديد من منازل السكان التي انهارت بسبب جرف الأرض تحتها، وهذا سبب آخر ساهم في زيادة قوة التدمير".

حكاية طويلة من الفساد والصراع خلف كارثة انهيار السدين في درنة.. وإعاقة مطالب التحقيق لا تزال مستمرة (عربي بوست، 25/9/2023) لا تزال مدينة درنة الليبية المنكوبة تعيش أسوأ أيامها بعد كارثة الفيضانات التي غمرت المدينة في 11 سبتمبر 2023، وخلفت آلاف القتلى والمفقودين واختفاء أحياء بأكملها، جرفتها المياه المتفجرة من انهيار سدين يقعان على مجرى وادي درنة نحو البحر.  

ودفع حجم الضحايا الكبير، إلى مطالبة أطراف سياسية وشعبية بإجراء تحقيق دولي حول أسباب انهيار سدي درنة وارتفاع عدد القتلى والمفقودين، بشكل غير مسبوق في تاريخ البلاد. حيث شهدت المدينة المنكوبة في 18 سبتمبر/أيلول مظاهرات شعبية مطالبة بالإسراع في التحقيق بشأن كارثة الفيضانات، واتخاذ الإجراءات القانونية ضد كل من يثبت تقصيره. وطالب المحتجون بضرورة إعادة إعمار المدينة بأسرع وقت، عن طريق هيئات وشركات عالمية، وليست محلية، على أن يخضع ذلك لرقابة أممية.

ويرجح سكان المدينة الجبلية الواقعة على ساحل البحر المتوسط ويشطرها نصفين مجرى "وادي درنة" الذي يعد من أهم معالمها، والبالغ طوله نحو 30 كم، سبب انهيار سدي "البلاد" و"سيدي بو منصور"، إلى إهمال السلطات المتعاقبة، والتأخير في إجراء الصيانات اللازمة.

خلف كارثة انهيار السدين في درنة يكمن مسار طويل من الصراع والفساد

في عام 2003، قامت مجموعة من المهندسين السويسريين بفحص سدي درنة على طول مجرى وادي درنة، وخلصوا إلى أن الهياكل تتعرض لضغط كبير وأوصوا بتعزيزها وبناء سد ثالث لتخفيف الضغط. لكن لم يتم إنجاز المهمة. وقد فرَّت ثلاث شركات تم استئجارها لإجراء الإصلاحات في نهاية نظام معمر القذافي من البلاد عندما تمت الإطاحة به في عام 2011، كما يقول تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية.

وبعد ثلاث سنوات، انقسمت ليبيا إلى قسمين. واختفت الأموال المخصصة لإعادة بناء السدود قبل أن يتم إنفاقها، بحسب عمليات التدقيق التي أجريت على المشروع. وفي عام 2014، استولى متطرفو تنظيم الدولة الإسلامية على المنطقة. وبعد بضع سنوات، سيطر أحد أمراء الحرب المدعومين من روسيا، خليفة حفتر، على المنطقة، ما جعل السدود بعيدة عن متناول الحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس.

ثم، في 11 سبتمبر 2023 من هذا العام، بعد عقدين من الإهمال، غمرت عاصفة قادمة من البحر الأبيض المتوسط ​​السدين، ما أدى إلى تدميرهما وإرسال سيول المياه العنيفة عبر مدينة درنة، ما أدى إلى جرف أحياء بأكملها إلى البحر، وقتل أكثر من 6000 شخص وفقدان آلاف آخرين.

وتعد هذه الخسارة الفادحة في الأرواح أحدث مثال على كيفية تأجيج الفساد والإهمال للغضب الشعبي على الحكومات في جميع أنحاء الشرق الأوسط. كما أنه يثير تساؤلات حول كيفية قدرة البنية التحتية في المنطقة على تحمل الأحداث المناخية القاسية مثل العاصفة دانيال التي وقعت هذا الشهر، والتي يقول العلماء إنها تفاقمت بسبب القوى الناتجة عن تغير المناخ

قصة مدينة درنة الليبية المهمشة ضريبةً لثوريتها( قنطرة، 18/9/2023) على مر العصور ظل تاريخ مدينة درنة الساحلية شرق ليبيا مزيجاً من الخوف والوقار. منذ تأسيسها أواخر القرن الخامس عشر على أنقاض مستعمرة يونانية قديمة اشتهرت بكونها مركزاً للعالمية والفكر والفن والثقافة.

وقبل الكارثة، بلغ عدد سكان المدينة حوالي 100 ألف نسمة. وتتميز بإطلالة على البحر الأبيض المتوسط، فضلاً عن غابات خضراء نادرة في بلاد تغطيها الصحاري القاحلة.

وعقب كارثة إعصار دانيال قال خبراء إن سمعة المدينة التاريخية وموقعها الساحلي المتميز كانا من العوامل الحاسمة التي ساهمت في إلحاق أضرار كبيرة ووقوع خسائر بشرية مرتفعة بالمدينة.

مدينة الثوار

في عام 2011 وخلال موجة الربيع العربي، اصطف سكان درنة إلى جانب الثورة الليبية ضد حكم معمر القذافي الذي دام لأكثر من 42 عاماً.

وخلال حكمه، كان القذافي يولي الاهتمام الأكبر بغرب البلاد وتعزيز قوته حول العاصمة طرابلس على النقيض من شرق البلاد حيث تعرضت مدن مثل درنة وبنغازي لعقود من التهميش والإقصاء الاقتصادي.

ويعزو المؤرخون ذلك بشكل جزئي إلى ما عُرف عن سكان درنة من معارضتهم لنظام القذافي منذ سبعينيات القرن الماضي. وساهمت شخصيات من المدينة فضلت أشكالاً من التشدد الإسلامي في تشكيل سمعة المدينة الثورية لتكون المدينة مناهضة للقذافي منذ بداية حكمه. ولم يقف الديكتاتور السابق صامتاً إزاء ذلك؛ إذ رد بسياسة باطشة وترك البُنى التحية في المدينة متداعية دون عناية واهتمام.

وخلال تسعينيات القرن الماضي، انضم عدد من سكان درنة إلى "الجماعة الليبية المقاتلة" LIFG المناهضة للقذافي، ما دفع السلطات آنذاك إلى شن حملة قمع وحشية أتت على الأخضر واليابس في المدينة. وشن النظام حملات مطاردة استهدفت كافة منازل المدينة بحثاً عن أعضاء "الجماعة الليبية المقاتلة".

ولم يتوقف الأمر على ذلك، بل فرض نظام القذافي سياسة العقاب الجماعي من خلال هدم المنازل وقطع المياه والكهرباء عن المدينة، فيما كان الكثير من ضحايا "مذبحة سجن أبو سليم" عام 1996 من درنة.

وفي مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية قبل أيام، قال هاني شنيب، رئيس "المجلس الوطني للعلاقات الأمريكية الليبية"، إن مدينة درنة "تدهورت تدريجياً: لا مدارس، والمستشفيات حالتها سيئة للغاية، والبنية التحتية مهملة".

وفي عام 2011 رصد صحافي من صحيفة الغارديان خلال تفقده درنة، الوضع الصعب داخلها، قائلاً: "الشقق والمباني والمكاتب في درنة في حالة بائسة مقارنة بباقي مدن ليبيا. وتطفو مياه الصرف الصحي في شوارع المدينة

مصطفى الطرابلسي.. شاعر تنبأ بمصير درنة قبل 17 عاما وقضى في مأساتها (الجزيرة، 20/9/2023)ثى مدينته درنة الليبية في قصيدة قبل نحو 17 عاما، وتنبأ بما ستؤول إليه حالها جراء إهمالها، مدينته التي ما انفك عن ذكرها في قصائده متغزلا فيها ومعبرا عن حبه اللامتناهي لها، وسط قلق مستمر على ما يخبئه القدر لها.

لم تكن نبوءته من وحي خياله، وإنما لما لامسه من واقع المدينة المترهل والإهمال الذي تعانيه طيلة عقود من الزمن، فضلا عن مآسيها المستمرة التي عاشتها من قمع بعض أبنائها إبان حقبة العقيد الراحل معمر القذافي، وصولا إلى ما شهدته في ظل سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" عليها والحروب التي عانت ويلاتها لسنوات بعد

مصطفى الطرابلسي شاعر وأستاذ في اللغة العربية ولد في سبعينيات القرن الماضي، وهو سليل عائلة الطرابلسي إحدى العائلات المعروفة بمدينة درنة، التي أنجبت رواد مسرح وفنانين ومشايخ وأدباء ومثقفين، فوالده هو المستشار القانوني الراحل عبدالعزيز الطرابلسي، وجده أحد أعلام المدينة العلامة الشيخ مصطفى الطرابلسي صاحب كتاب "درنة الزاهرة" الذي يروي قصة تأسيس المدينة.

الشاعر المتيم بمدينته والمهووس بحبها وعشقها هو أحد مؤسسي جمعية "بيت درنة الثقافي" المعروفة بالمدينة، ومن المشاركين في كل أنشطتها، ويعد علما من أعلام المدينة لدى شبابها.

إلى جانب حبه للثقافة والأدب والشعر، كان الطرابلسي محبا للرياضة وكرة القدم تحديدا، فهو أحد أعضاء النادي الأفريقي بالمدينة.

القصيدة التي تنبأت بالفاجعة

ذاع صيت مصطفى الطرابلسي في عموم ليبيا عقب وفاته، وغزت قصيدته ومنشوراته التي كان يدونها في حسابه بفيسبوك كل صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الليبية، والتي كان يتحدث فيها وكأنه يكتبها اليوم

3- دمار شامل للمدينة الزاهرة

معالم درنة التاريخية... "دانيال" يجرف الماضي وشواهده (العربي الجديد، 23/9/2023) جرفت كارثة العاصفة دانيال جانباً كبيراً من وثائق تاريخ وثقافة مدينة درنة الساحلية في الشمال الشرقي لليبيا التي طالما اشتهرت بوصفها مدينة الأدب والثقافة والفنون. واستيقظ من تبقى من أهل المدينة، صباح الاثنين الماضي، على اختفاء أبرز المعالم التاريخية والثقافية في المدينة، فأضرحة صحابة النبي الثلاثة التي كانت تزدان بها المدينة على ضفة وادي درنة الشرقية جرفتها السيول ولم يبق منها شيء، وكذلك المسجد العتيق الذي يعود بناؤه إلى 400 عام مضت، والسوق القديم، إضافة إلى دار المسرح التي عرض على خشبتها أوّل مسرحية ليبية عام 1908.

وأعلنت حكومة الوحدة الوطنية أن السيول أضرت بـ1500 مبنى في مدينة درنة، من بينها 891 مبنى تضرّرت بالكامل، ولم تخص المباني التاريخية بالذكر من بينها، كما لم تعلن مصلحة الآثار الحكومية حتّى الآن حجم الأضرار في معالم التراث الثقافي والتاريخي.

وتُعد درنة من أعرق المدن الليبية في عمق التاريخ، إذ ذكرها هيرودوت في تاريخه، ووصف جمال طبيعتها بأنه نادر المثال، أما عن أمطارها التي جعلت أراضيها خصبة، فلم يجد وصفاً لغزارتها إلّا بقوله "وكأن السماء انفتحت"، لكن ذلك كان في عصور غابرة من دون آثار تدلّ عليها، بحسب الأكاديمي وأستاذ علم الآثار ونيس عبد الحميد. وأشار عبد الحميد في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أنّ مدينة درنة التي كانت توصف بـ"عروس الجبل"، وأيقونة الثقافة والأدب لكثرة ما أنجبت من مثقفين وشعراء وأدباء، أصبحت منذ يوم الكارثة "ترثي نفسها، وتبكي تاريخها الذي اختفت شواهده

وقال إنّ "شواهد تاريخ المدينة تعود إلى الفتح الإسلامي حيث استشهد فيها ثلاثة من الصحابة وسبعون من التابعين في إحدى معارك جيوش الفتح التي حصلت على الجانب الشرقي لوادي المدينة ودفنوا في المكان ذاته، قبل أن يقيم عليهم سكان المدينة أضرحةً وقباباً تحولت مع مرور الوقت إلى شواهد تحفظ تاريخ كل الفترات التاريخية اللاحقة"، مشيراً إلى أنّ التحديثات اللاحقة على الأضرحة تركت زخارف وفنوناً من كل فترة مرت بها المدينة. وأضاف: "وفاء وحب المدينة لكل من يدخلها لا حد له، ففي الفترة العثمانية الوسيطة كان في المدينة والٍ عثماني قدم لأهل المدينة خدمات عديدة فدفنوه إلى جانب الصحابة وأقاموا له ضريحاً أيضاً". وتابع: "من شواهد التاريخ أن أول غزوة نفذتها قوات الولايات المتحدة الأميركية في أول نشأتها كانت على مدينة درنة، وفيها انتصر الأهالي على الغزو الأميركي، وجرى أسر البارجة فيلادلفيا، ومنها خرج المدد والمجاهدون لدعم أهل مصر في صدّ حملة نابليون بونابرت".

وقال إن "كل تلك الأحداث كانت لها شواهد وآثار، لكن السيول أتت عليها وجرفتها ضمن ما جرفت"، مشيراً إلى أن السيول لم تقضِ على الأموات فقط، بل "أحالت شواهد الثقافة والأدب في عداد الأموات، فمن عداد ضحايا السيول مثقفون وشعراء وأدباء ورياضيون".

في درنة كل المشاهد تحكي أن كارثة مرت من هناك (اندبندنت عربية، 18/9/2023 )وجد الليبيون الذين جرفت الفيضانات منازلهم في مدينة درنة بشرق البلاد قبل أسبوع أنفسهم أمس الأحد محاصرين بين مطرقة البقاء في المدينة واحتمال إصابتهم بالعدوى، وسندان الفرار منها عبر مناطق جرفت الفيضانات ألغاماً أرضية إليها.

وهناك مخاوف من أن يكون آلاف الأشخاص لقوا حتفهم بعد انهيار سدين في مدينة درنة في 10 سبتمبر (أيلول) الجاري، ما أدى إلى انهيار مبان سكنية كانت تصطف على جانبي مجرى نهر عادة ما يكون جافاً، بينما كان الناس نياماً. وجرفت المياه جثثاً كثيرة في اتجاه البحر.

وأكدت مراسلة وكالة الصحافة الفرنسية في درنة، أن كل المشاهد في المدينة التي كانت تضم 100 ألف نسمة، تروي أن كارثة مرت من هنا، جسور مشطورة نصفين، سيارات منقلبة وشاحنات محطمة، أعمدة كهرباء وأشجار مقتلعة من جذورها، وأغراض شخصية ممزوجة بالطين، حتى إن لون مياه البحر بات بنياً.

وقال الليبي محمد الزاوي (25 سنة) الذي يقطن في منزل قريب من الشاطئ في درنة إنه رأى ليلة الكارثة "جرفاً كبيراً من المياه يجلب معه سيارات وناساً وأغراضاً، وناساً داخل سيارات، ثم صب كل شيء في البحر".

وذكر تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن ما لا يقل عن 11300 شخص لقوا حتفهم، وهو ما يزيد على مثلي العدد الذي أعلنته المنظمة الدولية للهجرة يوم الجمعة.

ونسب التقرير حصيلة هذه الأرقام إلى الهلال الأحمر الليبي، لكن متحدثاً باسم الهلال الأحمر قال إنهم لم ينشروا مثل هذا العدد من الضحايا.

وأعلن وزير الصحة في حكومة شرق ليبيا عثمان عبدالجليل في آخر حصيلة أوردها السبت سقوط 3252 ضحية، في حين حذرت منظمات إنسانية دولية ومسؤولون ليبيون من أن الحصيلة النهائية قد تكون أعلى بكثير بسبب عدد المفقودين الكبير الذي يقدر بالآلاف.

وكرر عبد الجليل متحدثاً للصحافيين في درنة، أن وزارته وحدها مخولة إصدار أعداد القتلى، مشدداً على أن الأرقام المرتفعة التي توردها مصادر أخرى لا مصداقية لها.

وتقول الأمم المتحدة، إن أكثر من ألف شخص دفنوا في مقابر جماعية، وحذرت جماعات الإغاثة من هذه الممارسة، وأكدت السلطات الليبية إصابة 150 شخصاً بالتسمم بسبب المياه الملوثة في المناطق المتضررة من الفيضانات.

وقال محمد ونيس التاجوري، إنه جاء إلى درنة من بنغازي على الساحل مع زملائه من طلاب الطب للقيام بأعمال التطهير والتعقيم، وأضاف "بعد الفيضانات تحدث الأوبئة".

ومع شروق شمس الأحد، خفت حدة مشاهد الدمار مع إزالة أكوام الركام ووضعها على جوانب طرق خالية ورفع كميات من المعادن المتشابكة، بعضها أجزاء من حطام سيارات.

وافترش حمد عوض شارعاً خالياً وبجانبه زجاجة ماء وأغطية سرير. وقال "أنا باق في منطقتنا في محاولة لتنظيفها والتحقق من المفقودين... الحمد لله الذي رزقنا الصبر".

وقال محمد عبد الحفيظ (50 سنة) لوكالة الصحافة الفرنسية وهو لبناني يعيش منذ عقود في درنة، "رأيت الموت لكن للعمر بقية".

 

Pour citer cette ressource :

ماذا نعرف عن مدينة درنة الليبية التي دمرها الإعصار؟ - Question d'actualité, La Clé des Langues [en ligne], Lyon, ENS de LYON/DGESCO (ISSN 2107-7029), octobre 2023. Consulté le 05/12/2024. URL: https://cle.ens-lyon.fr/arabe/civilisation/monde-arabe/question-dactualite-madha-naerif-an-madinat-darna-al-libiyya-l-lati-dammara-ha-al-iesar