Vous êtes ici : Accueil / Arts et sciences / Cinéma et arts visuels / Arts plastiques / باية محي الدين سفيرة الفن التشكيلي إلى العالمية

باية محي الدين سفيرة الفن التشكيلي إلى العالمية

Publié par Fadi Assaf le 27/05/2024

Activer le mode zen PDF

يركز المقال على مسيرة الفنانة الجزائرية باية محي الدين كشخصية بارزة في الفن التشكيلي ويقدم نظرة عامة على أسلوب الفن الساذج وما يميزه، كما يسلط الضوء على براعة وتأثير الفنانة باية وأسلوبها الفني الفريد وتجربتها الشخصية المبكرة وكيف انعكست على أعمالها في العلاقة بين المرأة والمجتمع والطبيعة. في النهاية، يُشيد المقال بتأثير وإرث الفنانة باية وكيف أصبحت مصدر إلهام للفنانين والمتذوقين على حد سواء، في المشهد الثقافي الجزائري والعربي بشكل عام.

1. مسيرة باية محي الدين الإبداعية   

فاطمة حداد، اشتهرت باسمها الفني "باية محي الدين"، وهي فنانة جزائرية تميزت بأسلوبها الفني الفريد وإسهاماتها البارزة في عالم الفن التشكيلي. وُلدت في 12 ديسمبر 1931 في إحدى ضواحي العاصمة الجزائرية من أصول أمازيغية. وقاسمها القدر طفولة صعبة بفقد والديها وهي في سن صغير، لكنها وجدت الدعم والحنان في جدتها التي كانت تعمل في حديقة خاصة لسيدة فرنسية.

بدأت رحلة باية محي الدين في عالم الفن عندما قامت مارغريت كامينا بن حورة، وهي مؤرخة فنون، بزيارة شقيقتها وتعرفت على باية التي أدهشتها موهبتها الفنية في الرسم والتشكيل الطيني. تبنّت مارغريت باية وقدمت الدعم لها ونقلتها للعيش معها في الجزائر العاصمة. هناك، تولت مارغريت رعاية باية وتعليمها القراءة والكتابة اقتناعاً منها بموهبتها الفنية وقدرتها على التألق.  

في سن الثالثة عشر، أظهرت باية موهبتها الفنية برسم اللوحات وصنع المنحوتات المبتكرة، وقد لفتت انتباه العديد من الفنانين والنحاتين بفضل دعم مارغريت لها، بما في ذلك النحات الفرنسي جان بيريساك والذي قدم أعمالها للفنان الفرنسي إيمي مايغت. بعد أن نالت أعمال باية محي الدين محل اعجاب إيمي مايغت الذي كان منظماً لمعارض مشهورة، دعاها عندما كانت في سن الخامسة عشرة للمشاركة في المعرض الدولي للسيريالية في باريس. بعد ذلك، أُقيم لها معرض فني منفرد في "غاليري مايغت للفنون"، وكرّمتها مجلة "ديريار لو ميروار" بتخصيص عدد لها، ساهم في تحريره كل من أندريه بروتون وإيميل ديرمينغيم وجان بيريساك.

وفي عامها السادس عشر، حققت باية محي الدين نجاحاً باهراً، حيث نُشرت صور لأعمالها في مجلة "فوغ"، ودُعيت للمشاركة في ورشة الفخار في فالوري، حيث التقت بالفنان العالمي بابلو بيكاسو.

لم تمنعها الصعوبات التي واجهتها في طفولتها من تحقيق أحلامها وتألقها في عالم الفن. بفطرتها وموهبتها الطبيعية، اقتحمت مجال الفن ووصلت إلى العالمية، حيث أصبحت واحدة من أبرز رموز الفن الحديث. وقد نال الكثير من لوحاتها شهرة واسعة كلوحة "امرأة وعصفور في القفص".

شهدت مسيرة الفنانة باية محي الدين، وهي لم تزل في سن السادسة عشرة، اهتماماً كبيراً من أبرز فناني المدرسة السريالية مثل بابلو بيكاسو وهنري ماتيس. وقد عملت باية في مرحلة ما بالجوار من بيكاسو حيث وصفها هذا الأخير بأنها مصدر إلهام لسلسلة من رسوماته التي أطلق عليها اسم "نساء الجزائر". عادت باية إلى الجزائر واستقرت هناك، وفي سن الحادية والعشرين تزوجت الموسيقار العربي الأندلسي الحاج محفوظ محي الدين. لكنها توقفت عن الإبداع بعد اندلاع ثورة التحرير الجزائرية.

فيما بعد، اشترى المتحف الوطني الجزائري أعمالها السابقة، وعادت باية إلى النحت ثم إلى الرسم، حيث عُرضت أعمالها في مختلف أنحاء العالم، والكثير منها محفوظ في متحف الفن الساذج في لوزان بسويسرا، كما، عُرضت مجموعة من أعمالها في متحف الفنون الزخرفية بباريس في معرض جماعي بعنوان "رسامون جزائريون". كما سلط الضوء حديثاً على أعمال باية السيراميكية ورسوماتها المبهجة في متحف معهد العالم.

2. أسلوبها الفني

فن باية محي الدين لا يمتلك تعريفاً محدداً بذاته لكن يتميز بتمثيل تصويري لبعض جوانب المجتمع القبلي الجزائري الذي نلاحظه في لوحاتها عبر الأزياء التقليدية والحيوانات المنزلية وغيرها، وذلك بأسلوب فني يتسم بنضارة التعبير والافتقار للتقنيات بالإضافة إلى التبسيط والخيال.   

على الرغم من محاولة الحركة السريالية تبني الفنانة باية محي الدين في بداية مسيرتها الفنية، إلا أنها رفضت الاندماج تحت أي مدرسة فنية محددة، بل بقيت فنانة حرة تتمسك بمسارها الخاص، الذي لا ينتمي تماماً إلى السريالية أو إلى الواقعية.  بدلاً من ذلك، كان فنها أقرب للفن "الساذج"، وهو مصطلح يطلق على أعمال فنية ذاتية التعلم، غالباً ما تكون في نطاق الفن التشكيلي، إذ إن الفنانين السذّج لم يدرسوا في أكاديميات تعليمية وليسوا بالضرورة على معرفة علمية وواسعة بالتقنيات المستخدمة أو بالتيارات الفنية، بل كانوا مهنيين أو موظفين يمارسون الفن إلى جانب حياتهم العملية مثل الفنان الأشهر هنري روسو الذي كان كاتباً جمركياً. إن التركيز على مصطلح "الفن الساذج" أمر مهم، فهو يُعبِّر في الأصل الأجنبي عن الذكاء الطبيعي الخالي من التكلف، وقد تم استخدام هذا المصطلح أول مرة في القرن التاسع عشر لوصف أعمال روسو الذي كان يرسم خارج القواعد الأكاديمية وينطلق من خياله لصنع أعمال مبتكرة. يتسم الأسلوب الساذج، عموماً، بدلالات تتمثل في النقاء والمشاعر الصادقة والإبداع الصافي والأصالة والتلقائية والبراءة. إن الاندماج المباشر للفنانين في عفويتهم وتلقائيتهم في هذا التيار الفني قد يفتح المجال أمام السهولة والصدق في أعمالهم، ثمّ أن المعاناة التي تحرك مشاعر الفنانين "هي ما يميزهم ويجعلهم دوماً في حالة من التوتر والانفعال وهي الدافع الأساسي في بحثهم المستمر والدائم عن طرائق للتعبير عن المشاكل اليومية التي حققت طفرات بعيدة على مستوى الإبداعالسلاوي، محمد أديب، التشكيل المغربي بين التراث والمعاصرة، دمشق، 1982، صفحة 124".

يجدر بالذكر أنه قبل القرن العشرين، لم تكن هناك مدارس أو أكاديميات تُدرّس الفن الساذج، ولذا كانت أعمال الفنانين الساذج تتميز بالأصالة. إلّا أن في القرن العشرين، مع تأسيس أكاديميات لتعليم هذا الفن، بدأ يُطلق على عمل من يبدع شيئاً في إطار الفن السذج تسمية "الفن الساذج المزيف".

3. المرأة هي البطلة

تبرز المرأة كشخصية بارزة ومهيمنة في لوحات الفنانة باية على سبيل المثال لوحة "أم وطفل رسم باللون الأزرق"(أسماء اللوحات بالعربية هي ترجمة كاتب المقال لأسماء اللوحات بالفرنسية)"Mère et enfant en bleu"ولوحة "السيّدة في منزلها الجميل"(أسماء اللوحات بالعربية هي ترجمة كاتب المقال لأسماء اللوحات بالفرنسية) "La dame dans sa belle maison"، وربما يعود ذلك إلى تجربتها الشخصية بفقدان أمها في سن مبكرة بالإضافة إلى احتمالية أنها تحمل العتب في رسمها على المجتمع الذي يهمش أو يهمل المرأة الفنانة. تصوّر باية النساء بأسلوب يجمع بين الجمال والغموض، فتظهر ملامحهن بألوان زاهية ومفعمة بالحيوية، لكن يبقى تعبير وجوههن محجوباً وغامضاً، مما يثير الفضول ويفتح باباً للتأمل والتفكير. لكن مع ذلك كان هناك فرح حاضر في لوحاتها، كما في لوحة "السيّدة في منزلها الجميل"، أتى هذا الفرح كنوع من الرد على الحزن المبكّر في حياتها.   

أبرزت لوحات باية أسلوبها الفريد الذي انحاز بعيداً عن التصوير التقليدي للمرأة خلال فترة الاستعمار، مما منحها احتراماً واسعاً في الوسط الفني الجزائري. وقد وصفها الفنان أندريه بروتون بأنها "ملكة بلاد العرب السعيدة" و"ملكة سبأ"، حيث أشاد بسحر أعمالها الفنية وقدرتها على إثارة حوارات ملهمة، كلوحتي "السيدة والعصفور"(أسماء اللوحات بالعربية هي ترجمة كاتب المقال لأسماء اللوحات بالفرنسية) "Dame à l’oiseau" و"نساء وآلة القانون"(أسماء اللوحات بالعربية هي ترجمة كاتب المقال لأسماء اللوحات بالفرنسية)"Femmes et cithare" على سبيل المثال، اللتان أظهرتا هذا الجانب وأضْفَتَا على لوحاتها بُعداً روحياً مميزاً. كتب بروتون في كتالوج المعرض الذي أقامه لأعمال باية قائلاً: "أتكلم، ليس مثل الكثيرين الآخرين للتأسف على نهاية ما، بل للترويج لبداية، وعلى رأس هذه البداية نجد باية ملكة. بداية عصر التحرر والوفاق، في انفصال جذري عن السابق، والذي من أهم دعائمه بالنسبة للإنسان هو الغمر المنهجي في الطبيعة المتزايد دوماً."  

تستمد باية إلهامها من خيال خصب، حيث تمزج بين شخصيات نسائية وطيور ومناظر طبيعية، مستخدمةً ألواناً زاهية لتجسيد عوالم مليئة بالحياة والجمال. تتميز أعمالها برغبتها في خلق عالم خاص بالنساء، حيث يسود السلام والهدوء وتبتعد المتاعب والضغوطات، فنجد المرأة بجوار الطيور والفراشات في إشارة إلى الانسجام والتوازن مع الطبيعة ومحيطها. تُظهر باية في بعض لوحاتها تداخلاً بين شخصيات المرأة وطيور الهدهد، مما يعكس روحاً من الأسطورة والجمال والحماية المترتبة على هذا الطائر في الثقافة المحلية. ربما أسهمت قصص الجدة في إثراء مخيلتها بصور لعوالم حالمة أخرى، وزاد تعاونهما في الزراعة بالألوان الطبيعية الخلابة من رونق تلك الصور.   

4. باية والموسيقى 

تنطوي لوحات الفنانة باية على تجسيد للموسيقى يظهر في الآلات الموسيقية العربية الأندلسية، وغالباً ما تظهر النساء أو الطيور وهن يعزفن عليها كلوحتي "الطيور عازفو الموسيقى"(أسماء اللوحات بالعربية هي ترجمة كاتب المقال لأسماء اللوحات بالفرنسية)"Les Oiseaux musiciens" و"نساء وآلة القانون"(أسماء اللوحات بالعربية هي ترجمة كاتب المقال لأسماء اللوحات بالفرنسية)"Femmes et cithare" والعديد من أعمالها الفنية منذ منتصف الستينيات. تبرز هذه الرمزية في كل جزء من إبداعاتها، وتعكس العلاقة الشخصية العميقة التي تجمعها بزوجها، الموسيقار الحاج محفوظ محي الدين.

تتمتع لوحاتها بأسلوب فني ينبض بالحياة والإيقاع، مما يخلق تجربة بصرية وسمعية مميزة، حيث يبدو أن الألوان والتصاميم تنطق بالألحان. تظهر في هذه الأعمال الفنية العديد من الآلات الموسيقية مثل العود العربي والكمان والقانون والربابة، والتي تبدو وكأنها تُطربُ الألحان في أيدي النساء. من خلال هذه التمثيلات، قد تكون باية تسعى إلى استحضار تراث الموسيقى العربية الأندلسية وتجديده في عصر ما بعد الاستعمار، دون الحاجة إلى التدخل في السياقات الاجتماعية أو السياسية، بل عبر لغة الفن التي تتوجه إلى القلوب بعمق وجاذبية.  

في ختام استعراضنا لبعض جوانب إرث الفنانة باية محي الدين، نجد أن أعمالها ما زالت تحظى بتقدير واسع حتى بعد رحيلها، فتظل مصدر إلهام للفنانين والمتذوقين على حد سواء. تتميز لوحاتها بالألوان الزاهية والرموز العميقة التي تعبر عن التراث الثقافي الجزائري بشكل متميز. صحيح أن باية فنانة تم اكتشافها بطريقة عفوية، لكنها أثبتت نفسها بجدارة وتألقت تحت قيادة العظماء في عالم الفن. يبرز في أعمالها حفاظها على أصالتها وتعبيرها الفني الفريد الذي يترك بصمة خاصة ويستمر في إلهام الأجيال القادمة في كل مكان. شكلّ فن باية محي الدين جزءاً من تراث الفن الجزائري وصَوّرَ رؤية ثقافية خلّاقة حتّى بعد وفاتها.  

المراجع

1- فن  ساذج "فطري" - ويكيبيديا (wikipedia.org)

2- السلاوي، محمد أديب، التشكيل المغربي بين التراث والمعاصرة، دمشق، 1982، صفحة 124

3- The Naïve Arab Artist: Naïfs, Outsiders, L’art Autre, and L’art Brut in the Middle East (aub.edu.lb)

4- Art naïf — Wikipédia (wikipedia.org)

5- Robert Thilmany, Critériologie de l'art naïf, 1984, 176 p

6- Baya Mahieddine : Une œuvre d’une profondeur exceptionnelle - Culture : EL Moudjahid

7- باية محي الدين - عالَمُ باية محي الدين التشكيلي: المرأة الهدهد في الحدائق العجيبة | غزلان تواتي - مجلة قناص (qannaass.com)

Pour citer cette ressource :

باية محي الدين سفيرة الفن التشكيلي إلى العالمية, La Clé des Langues [en ligne], Lyon, ENS de LYON/DGESCO (ISSN 2107-7029), mai 2024. Consulté le 07/11/2024. URL: https://cle.ens-lyon.fr/arabe/arts/arts-plastiques/arts-plastiques/baya-mahieddine-safirat-al-fann-al-tachkili-ila-l-alamiyya